آخر تحديث: 24 / 11 / 2024م - 10:22 م

مذكرات أمل «7»

رضي منصور العسيف *

مضى على خروج أمي من المستشفى ستة أشهر، وها قد استعادت صحتها... ولله الحمد..

جاء أبي حاملاً معه ظرفاً، ابتسم وقال: هذا الظرف هو هدية للعزيزة أم خالد بمناسبة شفائها...

قال أخي خالد: تستحق الوالدة كل الخير...

قال أخي سالم: نعم لقد عادة الحياة لمنزلنا بعودة الوالدة.

قلت: الوالدة هي النور الذي يضيء حياتنا...

نظرنا لأختي زجل نترقب ما تقوله...

ابتسمت زجل وقالت: ماذا أقول عن عبير الجنة وريحها...

ضحكنا وقلنا من أين لك هذا التعبير الجميل...

قالت أمي وهي تمسح دموعها: وأنتم يا أحبتي يا نور قلبي، حبي لكم كامتداد السماء ليس له نهاية. وكالماء يروي الزرع لينمو ويزدهر، اللهم بارك لي فيهم وارزقني حسن تربيتهم.

قلنا: آمين يا رب العالمين... والآن يا أبي ماذا يوجد بداخل الظرف؟

قال أبي: الظرف لوالدتكم هي التي تفتحه، تفضلي يا أم خالد، افتحيه وانشري السعادة بيننا...

أخذت أمي الظرف وفتحته وأخرجت منه تذاكر طيران...

قلنا جميعا: ما شاء الله.. سفرة...

قال أبي نعم سفرة لنا جميعاً تستحق أم خالد هذه السفرة... سنسافر إلى أم الدنيا... إلى مصر...

قلت: رائع... نحتاج هذه السفرة لتغيير الجو...

قال أخوتي: نعم لقد مرت علينا أيام عصيبة ولا بدَّ أن نسافر... شكراً لك أبي العزيز...

جاء يوم السفر... توجهنا للمطار،

سأل أبي: هل الجوازات عندكم؟!

قال خالد نعم يا أبي عندي ستة جوازات...

قال أبي كيف ستة جوازات... نحن سبعة أشخاص هل نسيت الخادمة...

قال خالد جوازها عندي... ولكن ناقص جواز!! دعني أرى أي جواز مفقود...

بعد ثوانٍ قال خالد: أبي أين جوازك؟!

قال أبي جوازي عندكم، مع بقية الجوازات!!

قالت أمي: لا يا أبو خالد أنت أخذته البارحة لتتأكد من تاريخه؟!

قال أبي للسائق توقف لحظة... دعني أفكر في هذه المفاجأة... بدأ أبي يفكر ثم قال: لقد نسيته في الصندوق... هيا عد بنا بسرعة للبيت...

عدنا للبيت ونحن صامتون خوفاً أن يفوتنا موعد الرحلة...

أخذ أبي جوازه... وقال آمل أن لا نتأخر... لم يبق سوى ساعة ونصف....

وصلنا المطار ولم يبق سوى 45 دقيقة...

بسرعة ذهبنا لمكتب قطع تذكرة صعود الطائرة وشحن العفش...

نظر إلينا الموظف وقال: كم شخص أنتم؟!

قال أبي: ستة...

قلت: لا يا أبي نحن سبعة... الخادمة هي السابع... هل نسيتها...

ابتسم أبي وقال: آسف سبعة...

قال الموظف: أنتم محظوظون لقد تأجلت الرحلة ساعتين ولولا ذلك لفاتتكم الرحلة وكانت خسارتكم لا تعوض... هيا أعطني التذكر والجوازات...

تنفسنا الصعداء وقلنا الحمد لله...

صعدنا الطائرة والحمد لله كانت الرحلة ميسرة... استغرقت 3 ساعات كنت مع أخوتي نخطط للرحلة أين سنذهب، ما هي المطاعم، ما هي المتاحف، الأسواق الشعبية، الأهرامات... وقد كتبنا كل شيء على الورق.. ذهب أخي خالد إلى أبي وقال هذا خطتنا في الرحلة... ما رأيك...

نظر إليها أبي... وقال لا مانع وهذا توقيعي... ضحكنا جميعاً...

وصلنا مطار القاهرة واستلمنا العفش.. واتجهنا نحو البوابة، وإذا برجل مصري في الثلاثينات من العمر جاء مسرعاً نحونا وقال: أهلا وسهلا بك يا «بيك» نورت مصر... أهلا وسهلا... عندي لكم شقة مفروشة «VIP»...

نظر إليه أبي وقال: شكراً لك عندنا شقة جاهزة...

قال الرجل المصري: أوصلكم للشقة الخاصة بكم... أين العنوان... نحن في خدمتك يا «بيك»...

ابستم له أبي وقال: أشكرك مرة أخرى.. ولكن صديقي سيحضر وسنذهب معه...

قال المصري: يمكن يتأخر صديقك ولذلك سوف انتظر هنا... نحن في الخدمة يا «بيك».

لحظات حتى جاء «مصطفى» صديق أبي: سلم علينا وقال أهلا بك أبا خالد...

قال الرجل المصري: هل تحتاج تكسي أحمل العفش...

قال مصطفى: شكراً لك... كل شيء جاهز...

ذهبنا مع الأستاذ مصطفى للشقة وكانت شقة واسعة بها أربع غرف ودورتين مياه ومطبخ والأهم من ذلك أنها شقة مفروشة ونظيفة...

ذهبت مع أختي لغرفتي... وبدأنا نضع ملابسنا في الدولاب...

وبدون إرادة مني فتحت أحد أدراج الدولاب... لأجد فيها صورة كبيرة بمقاس «A4» لشاب... وقد وضع في زاويتها خط أسود... هذا يعني أنها صورة شاب متوفي... شهقت وقلت لأختي هذه صورة شاب متوفي... لا أريد هذه الغرفة... لا أريدها...

خرجت من الغرفة ناديت على أبي وقلت: بابا تعال بسرعة... تعال...

جاء أبي وأمي واخواي...

قال أبي ماذا هناك...

قلت في غرفتنا شاب متوفي....

شهق أبي وقال: ماذا شاب متوفي...

وأسرع للغرفة وقال أين هو أين... لا أرى أحد...

قلت افتح الدرج... وأشرت إليه... وقلت عليكم أن تخرجوا هذا الميت من غرفتي أو تغيروها لا أريد أن أنام ومعنا ميت...

فتح أبي الدرج بكل هدوء....

ثم قال: لا أعرف هل أضحك أم ماذا... هذه صورة يا ابنتي وهي لا تعمل شيء...

قلت يا بابا... أشعر أنه معنا....

قال أخوتي: يا أمل أرجوك بلا مقالب... لقد أفزعتنا من أول يوم بالرحلة...

وتم إخراج الصورة من الغرفة ووضعها في مكان آمن حتى يوم خروجنا من الشقة...

في اليوم الثاني جاء الأستاذ مصطفى وبدأ معنا الجولة السياحية...

بدأنا بمطعم «مقهى الأقزام» عندما دخلنا المقهى تفاجأنا بالعاملين فيه، فهم مجموعة من الأقزام، وكنا نظن أن هذا الاسم فقط للمحل وليس للعاملين، طلبنا الإفطار والشاي... وكانت الخدمة قمة في الذوق والاحترام... كانوا يقدمون الخدمة بمرح و«خفة دم» وصوتهم ينادون على بعضهم البعض تشعر بأنك تشاهد مسرحية مصرية... ضحكنا معهم وصرنا يومياً نذهب لهذا المقهى إما لشرب الشاي أو العصير أو تناول بعض المأكولات الخفيفة...

كانت لنا رحلة على الباخرة... وكان هناك حفل لشخصيات «ديزني» «ميكي ماوس، ورفاقه من الشخصيات» كانوا يغنون ويمرحون... لا أعلم لماذا بكيت عندما رأيتهم... حتى جاءت «البطة» ونزعت القناع وقالت لا تخافي نحن هنا لنمرح معك... هيا ابتسمي هيا اضحكي... وبدأت ابتسم وقالت: هيا شاركينا المرح.... ضحكت معهم كثيراً...

كانت أمي تنظر إلي وهي تقول هذه أول مرة أرى فيها أمل تضحك هكذا...

بقينا في مصر ننتقل من محطة إلى أخرى كما رسمنا في المخطط وكما نصحنا الأستاذ مصطفى... ذهبنا للأهرامات وبدأ المرشد السياحي يتحدث إلينا عن الأهرامات وتاريخها... لا زلت أتذكر تلك الأسماء الغريبة: هرم خوفو، هرم خفرع، هرم منقرع، وأبوالهول... قلت حينها يا للهول... ألا توجد أسماء أحلى من هذه؟! مثلا هرم أمل... ضحك المرشد وقال «حنعمل لك واحد»... أخذنا صور تذكارية مع أبو الهول الصامت الذي لم يبتسم..

كنا نتمشى في بعض شوراع مصر المزدحمة، وفجأة وجدت نفسي أمام ضابط، نظر إلي وقال: «أنت بتعملي إيه» «مش شايفه الزحمة اللي وراك» «لازم تجي معاي»... كان بيدي أيسكريم ومن شدة الخوف سقط من يدي... وقلت: «ما عملت حاجة»... ضحك الضابط وقال «كنت بمزح معاك يا أمورة» قلت له أسمي أمل وليس أمورة... ضحك بشدة... وقال تفضلوا نورتوا مصر...

بقينا في مصر أسبوعين، وقبل المغادرة بيوم قال الأستاذ مصطفى: ما رأيك يا أبا خالد لو نذهب مع أمل إلى الطبيب، أعرف طبيب ممتاز في جراحة المخ والأعصاب، ما رأيك أن نذهب ونستشيره في حالة أمل... ربما لديه علاج للحالة...

صمت أبي ثم قال: نذهب إليه لن نخسر شيئاً...

في اليوم الثاني ذهبنا إلى الطبيب وشرح له أبي حالتي الصحية من الولادة حتى هذه اللحظة، قام الطبيب بفحصي... ثم قال: أنتم من أي منطقة في السعودية؟

قال أبي: من الدمام...

ابتسم الطبيب وقال: هل تبعد عنكم مدينة الخبر مسافة كبيرة...

قال أبي: لا بل هي قريبة جداً...

قال الطبيب: إذن أنصحك أن تذهب لمستشفى في الخبر اسمه «مستشفى الملك فهد الجامعي»...

همسة أمل

تَغَرَّبْ عَن الأَوْطَانِ في طَلَبِ الْعُلى... وَسَافِرْ فَفِي الأَسْفَارِ خَمْسُ فَوَائِدِ

تَفَرُّجُ هَمٍّ، وَاكْتِسابُ مَعِيشَةٍ، وَعِلْمٌ، وَآدَابٌ، وَصُحْبَةُ مَاجِد.

للقصة بقية

كاتب وأخصائي تغذية- القطيف