آخر تحديث: 21 / 11 / 2024م - 1:39 م

أوراق ملونة...

سهام طاهر البوشاجع *

تخيل أن تكون أوراق الأشجار ملونة وتتساقط على الأرض في فصل الخريف، كل ورقة بلون مختلف!

وتخيل أن السيارات في الشوارع لا يتشابه عشر منها في لونها مع عشرة أخرى تجاورها!

وتخيل أن ألوان الطيف تكررت 48 مرة حتى أصبحت لديها 336 لونا، كل يوم يطل علينا بلون مميز يصبغ السماء والأفق!

أيامنا، أحداثها، أقدارها، كلها ملونة تترك أثرا من لونها على أنفسنا، تصطبغ بها شخصياتنا فتقودنا إلى مسيرة حياة مختلفة عن بعضها البعض في هذه الدنيا، الأمر الذي يجعل من حياتنا أوراقا ملونة نتصفحها واحدة تلو الأخرى، حتى ما إن تبهت إحداها نستبدلها بأخرى، وهكذا نعيشها إلى أن لا نصبح قادرين على استبدالها وحينها تصفر وتسقط - جافة ممزقة - تذروها الأرواح إلى مكان لا عودة إليه مجددا.

ولأننا نحظى بالكثير من الحب للألوان والأحداث المتجددة، ونحب الحياة ولا ننتظر يوم اصفرار أوراقها، نعيش ونتعايش البهجة في تلون حياتنا.

فأوراقنا الملونة حديثة كانت أو قديمة، تدغدغ عمق ذاكرتنا، وتحاول عابثة أن تتأرجح بين وتر الواقع الحاضر والماضي الدفين وتربط بينهما برباط عاطفي قد يكون إيجابيا أو سلبيا.

فضحكاتنا العالية التي أطلقناها ونحن نحتفل بعيد ميلاد آخر العنقود في بيتنا، وسعادتنا الغامرة التي أوغلت صدورنا فرحة في الأعياد وطقوسها، وترقب ليلة العودة للمدرسة وغيرها، أوراق ملونة قديمة ركنت في ذاكرتنا إلا أنها ما زالت تجدد حياتنا حين استذكارها، ولأنها أوراق ملونة سعيدة فهي ناصعة الألوان لا تبهت مع الأيام، ولكن بعض الأوراق قد تكون باهتة حين تحمل ذكرى ليست جيدة، ومع ذلك فكل ذكرى لها لون وطعم مختلف جميلة كانت أم سيئة.

أوراقنا الملونة، لونها الأصدقاء بلحظات الوقوف جنبا إلى جنب فيما بينهم في الأفراح والأتراح على حد سواء.

أوراقنا الملونة تناثرت دررا وياقوتا، حملها أبناؤنا وبناتنا حينما حققوا ما سعوا إليه وما أرضى طموحنا.

أوراقنا الملونة، في الرضا الذي يسكن أرواحنا حين نمد يد العون لكل من يحتاج إلينا.

ومولود جديد في العائلة ورقة ملونة تدخل السرور وترسم البسمة على المحيا وتغير خارطة المستقبل بأمل كبير ينمو فينا.

وتخرّج أحد الأبناء ورقة ملونة أخرى تحيي الحياة في أزقة الدنيا بأنه ما زال للعجلة مسير آخر، وأبواب موصدة تفتحت من جديد تنتظر استقبالنا.

وزواج الابن أو الابنة ورقة ملونة أيضا تفتح دروبا تنبض بالحيوية لتخبرنا أن واحدة من طرقنا التي تجولنا فيها جاء غيرنا ليتجول هو فيها بمعيتنا، فنكون بعد أن كنا قليلا أصبحنا كثيرا وملأنا الدرب حبا كبيرا.

أوراقنا الملونة قد تكون معلنة وقد تكون مختبئة لكن كلها تمسنا بلون أو أكثر يترك أثره علينا مدى حياتنا.

وعن واحدة من أوراقي الملونة، أجدها في كتبي تحكي لي عن الأمل وسط ضجيج الحزن وضيق المخرج.

تسقط بجواري كل فترة تهمس لي بأن أفتح الأغلفة وأتصفح الأوراق لأقرأ الكلمات فتتناثر ألوان الحياة على جدرانها.

كاتبة ومحررة في صحيفة المنيزلة نيوز