آخر تحديث: 21 / 11 / 2024م - 7:09 م

محصّنون ضد الموت

ليلى الزاهر *

نلتقي في هذه الحياة بكثير من النّاس في محطات مختلفة، ومواقف مُتعددة غير أننا لنا إقامة دنيوية لابد أن تنتهي يوما ما عند اكتمال المدّة؛ وساعتئذ لابد أن تأتي لحظات الفراق المريرة على أبنائنا ومنازلنا وأحبابنا، يقول الشاعر:

لي مدة لابدَّ أبلغها.

معلومة فإذا انقضت مٌت

لو ساورَتني الأٌسد ضاربَةً.

لَغلبتها ما لمْ يَجِ الوَقتُ

نحن نعلم أنّنا لسنا مُحصنين ضد الموت بل نشعر به كثيرا فهو الجسر المؤدي لحياة جديدة ورحلة برزخيّة تكشف لنا أسرارًا غابت عنّا وسوف نراها عندما يُصبح بصرنا حديدا، وقد تكون هذه الحياة أكثر جمالاً ورفاهية من حياتنا الماضية لأنها كانت نتيجةُ عملٍ أحبّه صاحبه بشغف وعمل بقدر ما يستطيع على أن يُغادر هذه الحياة فرحًا مستبشرًا، قد لاحت له بشارات الخير منذ ساعة احتضاره حتى نزوله لمثواه الأخير. قد شهِد له أحباؤه وجميعُ الناسِ بخلقه الكريم وجواره الحسن

وهذا ما قرأته في سيرة المرحوم الأستاذ فضيلة الشيخ «علي آل فردان» منذ اقترانه بزوجته الأستاذة هدى الصفار رحمها الله عندما كانت تتحدث عنه ونحن على مقاعد الدراسة الجامعية وتصفه بالزوج الحنون، والصديق المداوي للجراح والأب العطوف.

عرفتُ هذا الرجل الفاضل من خلال صديقتي فقد جمع الكثير من صفات الزوج الصالح مصداقا لقوله ﷺ: «خيرُكم خيركم لأهلِه، وأنا خيرُكم لأهلِي»

كان رحمه الله يفيض حبّا ومودة لأهل بيته ومما ميزه التّقوى وحسن الخلق، والتّفاني في خدمة أهله.

جمع جلّ الأخلاق في شخصه رحمه الله فأصبح أيقونة الخير والفضيلة والسلام في منزله وعمله وفي مجتمعه فلا عجب أنْ كان له هذا الصيت الجميل، والذّكر الحسن الذي ذاع في دائرة مجتمعه بعد أن غيّبه الموت فلم يغب إلا بجسده، وأصبح ذكره مُحصنا ضد الموت.

ومما لايدع مجالا للشك ابتداء الحياة المعنويّة للميت بعد انتهاء فترة حياته بيننا ماثلة في بقاء الذكرى الجميلة له، فيظلّ اسمه يتردد، ويتذكّره من حوله كما تذكر النّاس الأحنف بن قيس بالحِلْم، ومعن بن زائدة بالسّخاء، وكسرى انو شروان بالعدل، والسموأل بالوفاء، وحاتم الطائي بالكرم.

وربما يذكره أحبته بهؤلاء كلّهم بمقدار الحب الذي يحملونه له، فالبعض يخطّ بقلمه وآخر يفكّر كيف يجعل له حياة أخرى بيننا بعد غياب جسده. ولكن من المهم أن نواصل العمل على خطا الأخيار وأن نسمح لأنفسنا بفترات من الاستشفاء من حالة الذهول والحزن لفقدهم تسليمًا بقضاء الله وقدره تعالى.