آخر تحديث: 21 / 11 / 2024م - 3:01 م

حب الحسين عملياً

رضي منصور العسيف *

رُوي أنّ رسول الله كان يوماً مع جماعة من أصحابه مارّاً في بعض الطرق، وإذا بصبيان يلعبون في ذلك الطّريق، فجلس النبيّ ﷺ عند صبي منهم، وجعل يُقبّل ما بين عينيه ولاطفه، ثُمّ أقعده في حجره وهو مع ذلك يكثر تقبيله.

فقال له بعض الأصحاب: يا رسول الله، ما نعرف هذا الصّبي الذي قد شرّفته بتقبيلك وجلوسك عنده، وأجلسته في حجرك، ولا نعلم ابن مَن هو؟!

فقال النبيُّ ﷺ: «يا أصحابي، لا تلوموني، فإنّي رأيت هذا الصّبي يوماً يلعب مع الحسين، ورأيتُه يرفعُ الترابَ من تحتِ أقدامه ويمسح به وجهه وعينه مع صغر سنّه، فأنا من ذلك اليوم بقيت أحب هذا الصّبي، حيث إنّه يحب ولدي الحسين فأحببته لحبِّ الحسين، وفي يوم القيامة أكونُ شفيعاً له ولأبيه ولأمّه كرامةً له، ولقد أخبرني جبرئيل أنّه يكون هذا الصّبي من أهل الخير والصّلاح، ويكون من أنصار الحسين في واقعة كربلاء، فلأجل هذا أحببته وأكرمته كرامةً للحسين» [1] .

ماذا يعني حب الحسين وكيف ننمي حب الحسين في نفوسنا؟

خلال موسم عاشوراء الحسين تتجلى مظاهر الحب الحسيني، فكل فرد منا يعلن عن حبه للحسين ، ومن تلك المظاهر: المشاركة في المواكب، المشاركة في خدمة المجالس الحسينية، الدعم المالي، قراءة زيارة الحسين ، والبكاء على الحسين ، ولبس السواد حزناً على الحسين .

إلا أن هذا الحب ينبغي أن لا يبقى حباً شكلياً نابعاً من العاطفة وفقط، وإنما ينبغي أن يتعدى ذلك وينطلق من العاطفة الممتزجة مع الوعي لينتج حباً ولائياً صادقاً واعياً.

البكاء من المظهر إلى الجوهر

إن البكاء هو مظهرٌ من مظاهر الحب إلا أنه ينبغي أن يتعدى المظاهر إلى التجلي والتجدر في أعماق الإنسان، وينبغي أن يشعل تلك الحرارة الكامنة في نفس الموالي للحسين ، كما قال الرسول الأكرم ﷺ: «إنّ لقتل الحسين حرارة في قلوب المؤمنين لا تبرد أبداً».

ومن الأمثلة على البكاء القسري ما حدث في كربلاء حيث بكى عمر بن سعد عندما خاطبته السيدة زينب : أي عمر! أيقتل أبو عبد الله وأنت تنظر إليه؟ فصرف بوجهه عنها ودموعه تسيل على لحيته.

وفي موقف آخر روي عن عبدالله بن الحسن عن أمه فاطمة بنت الحسين قال: دخلت العامة علينا الفسطاط وأنا جارية صغيرة وفي رجلي خلخالان من ذهب فجعل رجل يفضُّ الخلخالين من رجلي وهو يبكي فقلت: ما يبكيك يا عدوّ الله؟ فقال: كيف لا أبكي وأنا أسلب ابنة رسول الله؟! فقلت: لا تسلبني. قال: أخاف أن يجي‏ء غيري فيأخذه.

ولهذا ينبغي أن يتحول البكاء والدموع إلى شعلة وضاءة توقظ الضمائر، وتحفز الموالي إلى السير بسيرة وأهداف الإمام الحسين .

كيف ننمي حب الحسين في نفوسنا؟

لكي يكون حبنا للحسين حباً حقيقياً وحباً صادقاً علينا أن نلتزم بما يلي:

أولاً: معرفة الحسين معرفة كاملة

قد تتعرف على شخصية ما وتحبها من أول لقاء، ومع مرور الأيام يزداد الحب بينكما لأنك تعرفت على تلك الشخصية بصورة أشمل، بل يتعمق الحب بينكما مع مرور الزمن لأنكما تعرفتما على بعض بصورة أكثر وأكثر.

وهكذا إذا أردت أن تعمق حب الحسين في قلبك فما عليك إلا أن تتعرف على الحسين بصورة أكثر شمولية، لترى أن هذه الشخصية قد ساهمت بكل ما تملك لخدمة الدين الحنيف، وأن هذه الشخصية استوعبت الإنسانية بكل معانيها فصارت تبث معنى التضحية والبدل لأجل الكرامة والعزة الإنسانية.

إن الإمام الحسين شخصية «معجزة» من يقرأه بصورة صحيحة فإنه يتعلق به، ولا يمكن له أن يختار عنه بديلاً. من هنا يمكن القول أنه ينبغي أن نفهم الحسين كما هو.

ثانياً: حضور المجالس الحسينية

إذا أردت أن يتعمق حب الحسين في أعماق قلبك، فما عليك إلا أن تكثر من حضور المجالس الحسينية، ففي كل مجلس حسيني مهما كان حجمه «صغيراً أو كبيراً» وتلتزم بحضوره فإن بذور محبة الحسين تنمو في قلبك، أليس الحديث الشريف يقول: «إن للحسين محبة مكنونة في قلوب المؤمنين»

إن سرد قضايا وحكايات، وبطولات، وكلمات الحسين لأجل الاقتداء وليس للتسلية، يسهم بشكل مركّز في تنمية الحب الحسيني في أعماق القلب.

حب الحسين برنامج عملي

لابد من ترجمة الحب الحسيني المكنون في أعماق قلوبنا إلى برنامج عملي من خلال:

رائد الإصلاح: وذلك من خلال تبني مشاريع إصلاحية عملاً بقول الإمام الحسين : «إنما خرجت لطلب الإصلاح»، فلا بد أن تكون فرداً مسئولاً في مشروع إصلاحي، وذا تطلع وهمٍّ حسينيٍّ، وأن تكون لك مساهمة واضحة المعالم والبصمات في خدمة المجتمع.

التحلي بالأخلاق الحسينية:

من يحب الحسين فإنه يتخلّق بأخلاقه وتصطبغ شخصيته بأخلاقيات الحسين، لذا فهو يلتزم بالحلم والتواضع، والكرم والسخاء، وغيرها.

إلا أن هناك أخلاقيات حسينية تجلت في يوم عاشوراء ينبغي ترسيخها في نفوسنا ومنها: اتخاذ القرارات الصائبة، السعي لهداية الآخرين، قوة الإرادة وتحمل الشدائد، تحمل المسئولية، اللاعنف مع الأعداء، والعزة والكرامة.

مقيماً للصلاة: ﴿والذين هم على صلواتهم يحافظون «المؤمنون / 9» لأن هذه الآية كانت ماثلة أمام الإمام الحسين ، ولأن الإمام الحسين يعلم بأن «الصلاة قربان كل تقي» نراه وأصحابه ليلة العاشر يقومون الليل كله يصلّون ويستغفرون ويدعون، وباتوا ولهم دويّ كدويّ النحل ما بين راكع وساجد وقائم وقاعد.

وعندما حل ظهر يوم عاشوراء، وكانت رحى الحرب دائرة والخطر محدقٌ بالجميع قال أحد أصحاب الحسين للإمام: «ها قد حلّ وقت الصلاة، فقال له الإمام «سلام الله عليه»: »ذكرت الصلاة، جعلك الله من المصلين الذاكرين. ثم وقف في مكانه وصلى".

ولهذا علينا أن نتخذ من الإمام قدوة في كيفية المحافظة على الصلاة، وعدم الاستخفاف والتهاون بوقت الصلاة، عليك أن تدع كل عمل يشغلك عن أداء الصلاة في وقتها، وهكذا تكون ممن يحب الحسين ويقتدي به.

ويتجلى الحب في يوم عاشوراء

لذا نرى من عرف الحسين كما هو، وتخلق بأخلاق الحسين، قد سرى حب الحسين في دمه، وامتزجت عاطفته بوعيه لتنتج شخصيات عظيمة، شخصيات أرخصت أنفسها فداء للحسين .

وهاهو عابس بن شبيب يقف أمام الحسين ويقول له: «والله ما أمسى على ظهر الأرض قريب ولا بعيد أعز عليّ ولا أحب إليّ منك يا أبا عبدالله.. أما والله لو قدرت على أن أدفع عنك الضيم والقتل بشيء أعز عليّ من نفسي ودمي لفعلت.. » هرول إلى ساحة القتال وهو يقول للإمام: «أشهد الله أني على هديك، وهدي أبيك». ويقف وسط الساحة، يطلب المبارزة. فيصيح أحد أفراد العدو في رفاقه: هذا أسد الأسود، هذا عابس بن شبيب، فيحجمون عن مقاتلته، بقي فترة طويلة ينتظر العدو، ولكن بلا جدوى، وهنا عرف أنه يخيفهم، وأنه لو بقي على حالته يحمل الدرع، ويلبس لامة الحرب لتأخر عن ركب الشهداء، فعمد إلى درعه فرماها، وعمد إلى لامة حربه فمزقها، وضرب بخوذته الأرض، وبدأ هجومه على العدو مجرداً من ذلك فقال له زميله: ما أنت صانع؟ أمجنون أنت؟ فأجاب: لا تلومونني فحب الحسين هو الذي أجنني.

وكالطفل الباحث عن ثدي أمه. كان يبحث عن كأس الشهادة بلا لامة حرب، ولا درع، ولا خوذة. ولما نالها قال بصوت ضعيف: الحمد لله.. ومات... [2] .

هكذا هم من أحبو الحسين

وهكذا يجب أن نكون..

 

[1]  بحار الأنوار: 44 / 242 ح 36، العوالم «عوالم الإمام الحسين»: 133

[2]  الشهيد والثورة ص 178
كاتب وأخصائي تغذية- القطيف