الإنسان بين الجنة والشجرة
«وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ «35» [البقرة: آية 35]
قد يتساءل البعض أنه لو لم يأكل نبي الله وأبونا آدم من الشجرة، لما خرجنا من الجنة. ولكن هل فعلاً خرج الإنسان من جنة آدم، أم لا يزال فيها. وما هو الفرق بين أن يكون الإنسان في جنة آدم، أو في الأرض.
توفر جنة آدم ، وهي غير جنة الآخرة، رغد العيش من حيث المأكل والمشرب والمسكن، فلا يشعر الإنسان بالعناء في طلب ما يحتاجه من الرزق. ولكن الإنسان حتى بعد أن هبط إلى الأرض، لا يزال في جنة من جنان الله، ولا يزال المولى عز وجل متكفل بأكله ورزقه وينعم ويتفضل عليه سيان كان مؤمناً أو كافراً. وإن كان في الأرض على الإنسان أن يعمل في طلب الرزق، ولكن هذا الطلب يجعل الإنسان المؤمن ذاكراً لأسماء الله، راجياً لفضله، شاكراً لأنعمه، ممتناً لرزقه وعافيته. فعندما يفتقر يبتهل إلى الله، وعندما يمرض يطلب من الله الشفاء. فيتعرف على أسماء الله وصفاته في كل حين.
فلا ينقص شيء من رزق الإنسان سيان كان في جنة آدم أو في الأرض، ولكن في الأرض يكون أكثر تعلّقاً بأسماء الله وصفاته.
إذا كان الرزق متساوياً في جنة آدم أو في الأرض، فلا يخرج الإنسان من الدنيا حتى يستوفي رزقه المكتوب له. وإن كان في ظاهر الدنيا هناك تفاوت في الأرزاق حسب تقدير المولى عز وجل للأمور. ولكن كل إنسان يستوفي رزقه كاملاً «وفي السماء رزقكم وما توعدون».
وإذا كان الرزق المادي ثابتاً، فلا فرق إذاً بين أن يكون الإنسان في جنة آدم أو في الأرض من الناحية المادية. ولكن إذا كان الإنسان يغفل عن ذكر الله مع الرخاء ورغد العيش، فلا يستشعر الرحمة الإلهية، ولا يرى الآيات والأسماء «إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى»، ولا يذكر الله. فبالنظر إلى الرزق المعنوي، وتجليات الأنوار في الأرض، وبالنظر إلى طبيعة الإنسان الطاغية في حال الغنى، فإن في الهبوط إلى الأرض نعمة منه عز وجل، وفرصة للذكر والرزق المعنوي. فما قيمة الرزق المادي، إذا حرم الإنسان من الرزق المعنوي.
فعندما يبتلي المولى عز وجل عبده في الحياة الدنيا، يجعل ذلك سبباً لتطهير قلبه، وليفيض عليه بأنوار الملكوت، وليبعده عن الغفلة والطغيان والبعد.
إن العناء الحقيقي هو في التعلق بشجرة الدنيا والبعد عن ذكره تعالى. فالرزق مقسوم وثابت، والمولى عز وجل أعلم بما يصلح العبد. فقد يكون الفقر النسبي أفضل للعبد، وقد يكون الغنى الظاهري أصلح للعبد. وإذا كان قلب الإنسان متعلّقاً بذكر الله، فإنه سوف يشعر بالقناعة والرضا والحمد والشكر للخالق.
أما إذا كان قلب الإنسان متعلّقاً بشجرة الدنيا، فإنه يستشعر الفقر والحاجة، ويغفل عن ذكر الله، ويزداد قلبه تعلّقاً بماديات الحياة الدنيا التي لا تزيده إلا شقاءً وبعداً عن ذكر الله. فالعناء والشقاء الحقيقي هو في التعلّق بشجرة الدنيا وحبها على حساب حب الله عز وجل.
إذن فالهبوط إلى الأرض لا ينقص من رزق الإنسان شيء، ورزق الله المقسوم له يأتيه حيث يكون، وهو نعمة للمؤمن حيث يتعلّق بالله ويرجو فضله، ولا يغفل عن وعيده، ومحلّ لتجليات الأسماء والصفات على قلبه. وهو فتنة وشقاء للمنافق والكافر حيث يتعلّق بشجرة الدنيا التي مهما أكل منها لا يزداد إلا عطشاً وفقراً وشقاءً وبعداً عن ذكر الله.