آخر تحديث: 21 / 11 / 2024م - 3:01 م

لماذا يكتب ”الإنسان“؟

حسين علي حبيل

يقف الصحفي مشدوهًا أمام المشاهد التي يشهدها؛ فيلجأ لتوثيقها عبر الكتابة «صناعة الحدث وإبرازه إعلاميًا للقراء والمتابعين».

كذلك يفعل القاصّ الحكّاء والروائي. كل هؤلاء تعتري أقلامهم نزوة وشهوة قد تستبد بصاحبها فيكتب ويعبر عن أمور بعيدة عن رؤاه وقناعاته وواقعه.

كما يقول المفكر العراقي الدكتور عبدالجبار الرفاعي: ”تفرض الكتابةُ على الذهن أن يفكر بعمق في كلّ كلمة، اللغة ليست أداةَ تواصل فقط، كلّ كلمة تستبطن، منذ نشأتها وعبر رحلتها الطويلة، معاني مستترة. تطويعُ لغة الكتابة أشدُّ امتحانات كلِّ كاتب“.

أتفق مع الدكتور الرفاعي هنا أن الكتابة تستلزم التفكير بعمق، والعمق في الفلسفة يُراد به ذلك العمق في الفكرة.

العمق يتجلّى مثلًا في معرفة ”كيف يؤرّخ ويكتب ويدرس المؤرخ التاريخ؟ =“ فلسفة التاريخ".

ولأن الفلسفة تبدأ من نقطة الصفر دون تصورات مسبقة أو افتراضات ومسلّمات،

فالكتابة هي من تنقل مفاهيم الفلسفة الأشبه بأرض صَلد خاوية إلى بساتين المعرفة والفكر فتتلقاها قلوب وعقول الناس بحيوية.

يكتب الإنسان لأن الكلمة التي لا يقيّدها القلم تموت في عقل صاحبها، وكم من فكرة عظيمة ضاعت دون تدوين أو حفظ.

هنالك نص ”تجاريّ بائس“ كُتبَ بأسلوب متهافت رخيص يدفع القارئ لتقيؤ الكلمات، ويقتل داخله ما تبقى من رغبة في الإقبال على الحياة.

ذلك النّصّ الملوّث الذي يخنقك بركاكته وسطحيته.

وهنالك نص آخر له إيقاعه ووقعه وعمقه الخاص على القارئ ”الحصيف“ الذي يغترف من تلك النصوص مقارباته الفكرية مهما كان نوعها.

يكتب الكاتب المبدع «أو فلنقل خالق النّصّ» إيمانًا منه أن هذه السطور صناعة وخلق للأوهام، وكذلك يرى الفيلسوف أنه صانع للحقيقة «أو نسخته الأولى منها».

بعيدًا عن ما يربط النص بالحدث، والتفاعلات الواقعية أو التخييلية داخل رحم الممارسات النقدية، فإن كل كلمة يكتبها الكاتب تخرج العقل من عزلته إلى فضاء سحيق وعميق لا بُعدَ أو حد للجمال فيه، لعلّ الصورة المشوهة أو الناقصة للوجود تكتمل.

هنالك من الكتاب من فَقدوا ”اللغة“ كما قال الفيلسوف الفرنسيّ موريس بلانشو.

وختامًا أجل يحقّ لك أن تتساءل: هل اللغة قاصِرة في زماننا؟ أم أن الكُتّاب بائسون؟