آخر تحديث: 24 / 11 / 2024م - 10:22 م

تجربة الحب الماليزية 1

كاظم الشبيب

ليس من السهل محو الذكريات السلبية الناتجة عن علاقات الناس مع بعضهم، لا سيما ذكريات الكراهية، لأنها تعيش في وجدانهم كأفراد في العلاقات الثنائية أو كجماعات في العلاقة بين أهل الهويات المختلفة. بيد أن هناك تجارب استطاعت بعض المجتمعات تجاوزها، لا بمعنى محوها من الذاكرة، وإنما بمعنى تجاوزها لهدف أسمى وهو التعايش إلى درجة التزاوج بين أهل تلك الهويات المختلفة، أي مهما بلغت تجارب الكراهية فلا بد من طرق إيجابية للتعامل معها. من تلك التجارب الناجحة لدينا التجربة الماليزية.

فغالباً ما يذكر المعنيون بمفهوم التعايش التجربة الماليزية كنموذج ناجح في تطبيق فكرة التعايش، رغم صراعات الكراهية الدامية التي عصفت بأهلها. ووراء نجاح التعايش الماليزي دستور واحد يجمع تحت لوائه التعددية الثقافية والعرقية والدينية في ماليزيا. ويقف خلف هذا الدستور أيضاً فكرة وطنية جامعة واهتمام من كل الأطياف بتنمية البلاد ومصالح الوطن والمواطنين، وبالتالي وجود نظام حكم بهيكلة إدارية غير مركزية للحكم تساهم في إشراك جميع الأطياف في إدارة الدولة.

ماليزيا، كدولة من العالم الثالث، وقطر إسلامي، قد مرت بمراحل مريرة من الحروب والصراعات العرقية، حتى تصل للاستقرار رغم حجم التنوع الثقافي في تركيبة السكان. فتعداد السكان يتجاوز 23 مليون نسمة. ومن الناحية الدينية: يشكل المسلمون 50% من السكان. أما معتنقو الديانات الصينية، وهم خليط من الطاويين والبوذيين والكونفوشيين، فيبلغون حوالي 25% من إجمالي السكان. وتبلغ نسبة المسيحيين 6%. في حين تبلغ نسبة أتباع الديانات القبلية حوالي 5%.

من الناحية العرقية والقومية فالماليزيون ينقسمون إلى الأعراق والأقوام التالية: الملايويون حوالي 50% من السكان. يليهم الصينيون بنسبة 35% من السكان. وبعدهم الهنود بنسبة 10%. ثم 5% هي نسبة المجموعات القبلية الوطنية التي تقطن كلاً من سرواك وصباح، وأكبرها هي قبائل دياك وكادازان. ناهيك عن التعدد اللغوي لكل الماليزيين.

وقد ساهم تاريخ ماليزيا السياسي في تشكل هذا المزيج من التنوع. فقد جذبت مراكز ماليزيا الغنية المغامرين والتجار من بلاد عديدة، وامتزجت فيها الشعوب والحضارات، فأثر الهنود في الفن والثقافة الماليزية، وأدخل العرب الإسلام للمنطقة، وغدا الدين الرسمي لها، وقدّم الهولنديون والألمان الأفكار والأساليب الاقتصادية، كما مهَّد البريطانيون لإرساء دعائم التطور السياسي. وقد تأثرت البلاد بالحركات السياسية القائمة في الأقطار الآسيوية الأخرى، لذا وجد المصلحون المسلمون والثوريون والتصحيحيون الصينيون، والمقاومون الوطنيون الهنود دعماً من السكان متعددي الأعراق. وفي كل حقبة تحدث فيها مواجهات بين الماليزيين والمستعمرين كما كان ضد البرتغاليين، ثم ضد الهولنديين، وبعدهم ضد البريطانيين، كما ضد اليابانيين، كانت تتشكل أحزاب وتنظيمات متنوعة من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار وما بينهما.

لكل ذلك أصبحت ماليزيا أنموذجاً يقتدى به في بناء المحبة والتعايش بين الناس. في المقطع القصير المرفق تقرير بعنوان التعايش السلمي في ماليزيا:

* الحقائق المذكورة عن ماليزيا مستقاة من الموسوعة العربية العالمية: م 22 ص 129-153، وموسوعة السياسة: م 5 ص 690- 694، بتصرف.