مجالس أهلنا الطيبين
في هذا العمر وبعد الستين، لا بد لنا بين فترة وأخرى أن نتذكر الماضي الجميل، ويظهر علينا الحنين، بيوتنا القديمة، بيوت الآباء والأجداد، بعضها يرجع إلى سنوات ماضية، يتراوح عمر بنائها المائة والخمسين سنة فأكثر، وما فيها من مجالس جميلة كنفوس أهلها.
الزمن الماضي ولا تقليل من الحاضر، فيه من أصحاب الأنفس الطيبة والسماحة والقلوب النظيفة، فيه المجالس البسيطة والمريحة والتي تجمع رب الأسرة الكريمة الواحدة، ويرتادها الشيخ والعالم والمعلم والفلاح والبحار وأصحاب الغوص والنواخذه، والبناي والحداد والتاجر والخباز، وكل صاحب صنعة كما تجمع الخطيب والأديب والشاعر والنهام وشيخ القبيلة والعمدة والمختار، وكل قاطني الحي «الفريج» كبيراً وصغيراً، غنياً، فقيراً من دون استثناء ولا تكلف.
مجالس زمان كانت مدارس، لا يَشغل من بفنائها شيء غير الاستماع للكبار، يتعلم منها الأبناء تقاليد الآباء والأجداد، يتعلمون تمسكهم بدينهم وقيمهم، يتعلمون الصبر والسلوك الحسن، الوفاء والإخلاص في التعامل والعمل.
مجالسنا زمان، ولا تختلف عن ما هو في مجالس دول الخليج، والتي تربطنا بأهاليها النسب والعادات الاجتماعية والتقاليد الجميلة، كانت مميزة رغم بساطتها، فيها الدروس والعبر، يتخرج منها أجيال وأجيال، مجالس نقية متمسكة بعاداتها وتقاليدها الأصيلة، فيها الكرم والحكمة والسكينة والوقار.
مجالس زمان، يتمتعون أهلها بسعة الصدر والحكمة، وما أروع أن نتذكرها حيث ترتاح النفوس لذكراها، تجمع أفراد العائلة وكل الأهل والأصحاب، وتقوي العلاقات الأسرية والاجتماعية وتعزز روح التعاون والإنسانية، وترسخ الثوابت العقلانية الصحيحة والسليمة، وتقوي الروح الوطنية والانتماء، حب الأرض والوطن والولاء، وهي في القلوب باقية، جيل بعد جيل.
مجالس زمان مسجلة ليومنا هذا، في التاريخ ومنقوشة بحروف من ذهب في النفوس والعقول، ويكفينا فخراً أنها ذات موعظة حسنة ومنبع أمل وحب، وهي نبراساً للأخوة الصادقة والوفية وبوابة لعمل الخير والصلاح والأمن والاطمئنان، مُباركة من الله تعالى.