ذكرى طيبة
- هل الأحداث السيئة «وحش» الذاكرة، وهل باستطاعتنا خلق ذاكرة انتقائية؟ إن تحويل الأحداث السيئة إلى ذكريات سعيدة، بدلا من استجداء الحزن والبكاء المستمر، لعبة عذبة وقليل من يجيدها.
- صديقتي الجميلة إيمان، فقدت طفلها قبل أعوام تقول: أعلم أنني سأفقد طفلي بين لحظة وأخرى كما يقول الأطباء، وكما هي حالته الصحية، لكنني قررت أن استحضرها كذكرى سعيدة.. ”أمير“ فرحتي الأولى، هدية الله لنا تتويجا لحبنا الطاهر، طفلي الذي طالما انتظرته وتخيلته أنا وشريك حياتي، تساءلنا كثيرا: كيف سيكون شكله، لون عينيه، بشرته وصوته؟ لم أكن أعلم أن القدر يدبر لي قصة أخرى. - في يوم رحيله، بكيت كما لو أنني فقدت عزيزا أعرفه، لكنني تذكرت صوت «إيمان» وهي تخبرني، كيف أنها سمحت لنفسها أن تشعر بالحزن دون مقاومة ولم تتدخل في تهذيب حزنها أو الهروب منه أو حتى إدانته، وكيف أنها تخلت عن مشاعرها السلبية، وتحررت منها وجعلت ذكرى «أمير» ذكرى طيبة. - أزعم أن ابتسامتي تسبقني دائما وأنني تحررت كثيرا وجدا من الطاقات السلبية المنشورة هنا وهناك لكنني فوجئت بتلك الروح العظيمة التي تمتلكها «إيمان» وتلك الطاقة التي تحمل ذبذبات الرضا والقبول والتسليم،، هي لم تتجاهل مشاعرها بل عاشتها بتفاصيلها.
- ثم أذنت لها بالرحيل بعد أن أخذت مجراها الطبيعي، ذلك هو التوازن المطلوب لحياة روحانية، لكن، هل الجميع قادرون على التقبل والتجاوز؟ هل خُلقنا مسلحين بآلية السماح بالرحيل للمشاعر والأماكن والأشخاص والمواقف؟ التجارب الإنسانية وأزمات الحياة تجعل من الأشخاص أكثر تعاطفا وتفهما للآخرين، فالتعامل مع معضلة عاطفية يسير بنا لاتجاه الحكمة.
- يحدد ديفيد هوكينز في كتابه «السماح بالرحيل» مدة الوقت الذي يستغرقه الأسى لكي يرحل، وكيف أن تلك الحقيقة تعطينا الشجاعة والاستعداد لمواجهته، فإذا لم نقاومه وتخلينا عنه سيرحل خلال عشر إلى عشرين دقيقة وبعدها سيتوقف لفترات متفاوتة من الزمن.
- وإذا استمررنا في التخلي عنه، سنجده كل مرة يظهر فيها ويأخذ وقته، ومن ثم سيرحل أخيرا، وبالمقابل لو قاومنا الحزن سيظل، إذ إن الأسى المقموع قد يستمر لمدة أعوام.
- أتوقف هنا وأتساءل: هل هي الطريقة الوحيدة للتعامل مع الحزن أم لكل شخص نهج مغاير للتعامل مع أزماته؟.