آخر تحديث: 21 / 11 / 2024م - 3:01 م

مؤرّخ «الساحل» يطوي أوراقه

الشيخ حبيب آل جميع *

للساحل الغربي من الخليج العربي، وإقليم «البحرين» التاريخي خصوصًا، سمةٌ تبعث على الاستغراب والأسى في الوقت نفسه، وهي أنّ غناه بالتاريخ قابَله فقر بتدوين هذا التاريخ، ولولا جهود بعض المخلصين من أمثال فقيدنا الراحل الأستاذ عبد الخالق الجنبي «1384-1445 هـ/1964-2024 م» لظلّ هذا التاريخ حبيس ذاكرة جماعية تتلاشى يومًا بعد يوم، ورهنًا لآراء سطحية وضعها الغرباء، وصورةً مرقّعة لا رابط بين أجزائها إلّا ظنٌّ لا يستند إلى خبرة.

ظهر فقيدنا الجنبي ليسدّ النقص، وتميّز عن غيره ممّن تصدّوا لهذه المهمّة بالمنهجية العلمية الصارمة، فلم يكتفِ بتدوين أحاديث المسنّين، ولم يقف عند حدّ التنقيب في مجاهيل المخطوطات القديمة، بل امتشق قلمه وعصاه وأخذ يقتفي دروب الماضين وآثارهم، ليقرن المكتوب والمسموع والمشاهَد، ويقدّم مادّة علمية رصينة يستفيد منها الباحث الأكاديمي والمطّلع الهاوي على السواء.

ومن يتصفّح آثار فقيدنا الجنبي يظنّ أنّه كان يتمتّع بدعم هائل من جامعةٍ ما، أو من هيئة حكومية أو أهلية، مستعينًا بفريق من المساعدين والمحرّرين، إلّا إنّ المطّلع على حقيقة أحواله يعلم أنّه قدّم كلّ إنجازاته مكتفيًا بجهوده وموارده الذاتية، بل إنّه فعل ذلك كلّه وهو يرزح تحت وطأة جسدٍ لم يكن يعينه حتّى على الحركة العادية.

وعندما أبصرت مجلّة «الساحل» النور كان فقيدنا سبّاقًا في رفدها بنتاج قلمه، وعمل مديرًا لتحريرها، ولم يبخل طوال عقدين من عمرها بأيّة نصيحة أو استشارة أو مساعدة، فكان نعم من يُستعان به في مشروع يقف مع الجنبي في الخندق نفسه، خندق الدفاع عن تاريخٍ ثري لم يتلقّ حتّى اليوم ما يستحقّه من اهتمام.

رحم الله فقيدنا الجنبي، وأسكنه فسيح جنانه، وألهم ذويه ومحبّيه وقرّاءه الصبر والسلوان، وهدى المنطقة إلى إدراك أهمّية تاريخها وثرائه، لعلّها تشاهد ما شاهده الجنبي يومًا ما، فخلب لبّه واستثار عقله، وجعله ينكبّ على أوراقه ويسيل الحبر توثيقًا ونقدًا ونقلًا وترجيحًا وتوهينًا، قبل أن يطوي أوراقه ويرحل تاركًا المهمّة في أيدي جيل يعتمد على نهج تاريخي رصين كان فقيدنا الجنبي في مقدّمة من وضع أسسه وشيّد أركانه.

رئيس تحرير مجلة الساحل