آخر تحديث: 21 / 11 / 2024م - 1:42 م

كشتات البر... بعيدا عن صخب المدينة

سهام طاهر البوشاجع *

صور ترفيهية مختلفة، ونكهات متميزة، من عالم يتسم بالجفاف والقسوة، سمي بالبادية، البرية، العراء، القفر، الفلاة، وغيرها من مترادفات كثيرة، وكلها لها معنى واحد يعرفه الجميع بالصحراء، وفي السعودية نسميه ”البر“ الذي هو ليس بالبحر، و”كشتة“ أصلها تركي، إلا أننا اعتدنا أن نسمي الاستمتاع بالذهاب إلى البر ”بالكشتة“ أي التنزه والترفيه عن النفس من عناء وصخب الحياة.

وما أن تعتدل الأجواء وتنخفض درجات الحرارة، لا سيما في بداية دخول فصل الشتاء إلا ويكون ضمن جدول العائلات، الذهاب إلى البر لقضاء أوقات حميمية مع الأهل والأقارب بعيدا عن إزعاج أبواق السيارات ودخان المصانع، والاستمتاع بنهار مشمس دافئ ورمال ذهبية تغوص فيها الأقدام بنعومة، وأفق ممتد في السماء يشوبه حمرة خفيفة وزرقة ناصعة، قلما نراها في سماء المدينة في الأيام الاعتيادية.

وبما أننا أبناء الجزيرة العربية، ولدينا صحراء تتربع في وسطها وتمتد حتى أطرافها، يسهل على الجميع التفكير في الذهاب إلى ”البر“ والاستمتاع بالأجواء هناك، والقيام بطقوس مختلفة، كالطبخ على الحطب، والجلوس في بيت شعر أو ما نسميه ”خيمة“، أو بين سواتر قماشية، أو قد يكتفي البعض بوضع بساط بسيط على الرمال ويستمتع بشرب الشاي والقهوة.

الصفاء الروحي والحالة المزاجية العالية التي يشعر بها من يكون في مثل هذه الكشتات، يعتبرها الأطباء كنزاً من كنوز التشافي النفسي والروحي والذي ينعكس على الجسد في بعض الأحيان.

فقد أكدت العديد من الدراسات وجود صلة بين الإنسان والطبيعة، ففي دراسة أجريت من قبل جامعة ديربي والجمعية الملكية لصناديق الحياة البرية في بريطانيا، لمشروع نظمته الجمعية تحت اسم «30 يوما من الحياة البرية» على عدد من المتطوعين، قصدت فيه التعرف على مدى تأثير الحياة البرية عليهم، حينها قالت ”لوسي ما كروبرت“ المسؤولة عن شؤون الحملات الخاصة بالطبيعة في الجمعية: ”كنا نعلم بداهةً أن الطبيعة مفيدة لنا كبشر، ولكن النتائج جاءت أكثر من رائعة“.

نحن ندرك ذلك بطبيعتنا ومن التجارب التي نقلها لنا أجدادنا حينما كانت معيشتهم الأصلية هي ”البادية“ فرمال الصحراء جذورنا التي تعرفنا ونعرفها جيدا، أمنا الحنونة التي نلجأ إليها كلما أردنا أن نطرح ما اعتلته صدورنا من هموم أو تشظت لها القلوب من أوجاع.

ولقد حبانا الله تعالى في بلادنا بالكثير من المواقع الجميلة التي نستطيع أن ”نكشت“ فيها مستمتعين بجمالياتها وروعة الفعاليات التي أدخلت إليها حديثا.

ففي المنطقة الشرقية أراضي و”فيافي“ امتازت بمساحتها الواسعة وامتدادها السهل مثل ”بر النعيرية“ والسفانية وبر المطار وبر الخفجي والفاضلي، وراس أبو علي في الجبيل وبر شاطئ العقير في الأحساء.

وفي الرياض الكثير مما لا يحصر من الأماكن التي يقصدها الناس في مثل هذه الأجواء الجميلة مثل وادي حنيفة، ووادي صفار، وسد وادي لبن، وصحراء الثمامة ذات الرمال الذهبية، والتي امتازت أيضا بأنها واجه ترفيهية عائلية بامتياز حيث حظيت بالكثير من الفعاليات في السنوات القريبة.

وأما في الجنوب فجبال السودة واحدة من أهم أماكن كشتات البر، إذ فيها نسمات باردة وطبيعة جبلية خلابة تشجع على رياضة تسلق الجبال فهي مرتفعات يصل طولها بنحو 9843 قدماً.

وكذلك وادي القمر الذي يقع على بعد ساعة من شمال جدة، ويتميز بصخوره السوداء ورماله البيضاء، تشعر عند الذهاب إليه أنك على سطح القمر، لذا سمي بهذا الاسم يستمتع فيه الزوار برؤية السماء الصافية والنجوم اللامعة في أسراب مضيئة خلابة، و”الشعيبة“ المتسربلة بالقرب من البحر الأحمر وبين سهول تهامة، وبالرغم من أنها ساحل بحري إلا أنها مساحة ”بر“ جيدة للتخييم والكشتات الجميلة.

وفي الشمال بر ”فياض“ من أشهر المسطحات الرميلة التي يستنشق فيها أهل الشمال الهواء العليل، ويحيون فيه الكثير من اللقاءات الاجتماعية والأسرية.

جميلة هي صحراء السعودية، بأبنائها الذين حولوا رمالها إلى متنفس لكسر الروتين اليومي، وواجهة لمتنزه يختلف عن حضارة المدن وترتيب المنازل والجلوس على الأثاث الفخم وأكل المطاعم.

كاتبة ومحررة في صحيفة المنيزلة نيوز