آخر تحديث: 23 / 11 / 2024م - 8:37 م

لماذا يحب الله أن يرى مخلوقاته متذللين له؟

زاهر العبدالله *

مقدمة:

الذلة في اللغة هي: نقيض العزِّ، وأصل هذه المادة يدلُّ على الخُضوع، والاستكانة، واللِّين. وهذا ما يخص الناس بعضهم لبعض وهنا وقع الإشكال عند السائل بين أن تكون الذلة لله وبين أن تكون الذلة لمخلوق مثله. فهناك بون شاسع بل لا مقارنة بين الذلتين. فذلة العبد لعبد مثله إهانة وذلة العبد لربه رفعة ومكانة ومنزلة لا ينلها إلا المتقين.

لأن الله سبحانه وتعالى غني مطلق فلا تنفعه طاعة عبده، ولا تضره معصية عبده. بل هو يحب خلقه ويرحمهم فهو الرحمن الرحيم سبحانه وتعالى. لذا هو يربيهم ويؤدبهم ويعلمهم على احترام النعمة كي لا تزول منهم وإذا شكروها بالتذلل والمسكنة أدام عليهم نعمه. فإن الله سبحانه وتعالى أرأف على عباده من الأم على وليدها. فالتذلل علامة من علامات الحب لله سبحانه كما قال تعالى ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ [إبراهيم: آية 7]. فمن أحب ربه وذاب في عظيم ملكه وهام بجميل صنعه، وجد لذة وحلاوة خاصة لا يعرف هذه اللذة إلا إذا وقف في محراب العشق الإلهي صافاً قدميه بين يدي خالقه يرتل أجزاءً من القرآن الكريم يحزن به نفسه وتسفح دموعه من عظيم كرم الله عليه وجرأته على خالقه بالذنوب والمعاصي ولذا ورد في الدعاء «إلهي من ذا الذي ذاق حلاوة محبتك فرام منك بدلا، ومن ذا الذي آنس بقربك، فابتغى عنك حولا» وكذلك «إلهي أنت كما أحب فاجعلني كما تحب إلهي أنت نعم الرب فاجعلني نعم العبد» وود «إلهي عظم الذنب من عبدك فليحسن العفو من عندك» وورد «إلهي هب لي كمال الانقطاع إليك، وأنير أبصار قلوبنا بضياء نظرها إليك، حتى تخرق أبصار القلوب حجب النور، فتصل إلى معدن العظمة وتصير أرواحنا معلقة بعز قدسك، إلهي واجعلني ممن ناديته فأجابك ولاحظته فصعق لجلالك، فناجيته سرا وعمل لك جهرا» [1] .

فأهل البيت علمونا كنوزاً من الدعاء والمناجاة والتذلل والخضوع بسبب حبهم وتعلق قلوبهم بالله سبحانه. فذكروا لنا أحاديث تعزز روح المحبة لله سبحانه كما ورد في الرواية فيما أوحى الله تعالى إلى داود : يا داود أبلغ أهل أرضي أني حبيب من أحبني، وجليس من جالسني، ومؤنس لمن أنس بذكري، وصاحب لمن صاحبني، ومختار لمن اختارني، ومطيع لمن أطاعني، ما أحبني أحد أعلم ذلك يقينا من قلبه إلا قبلته لنفسي، [وأحببته حبا] لا يتقدمه أحد من خلقي، من طلبني بالحق وجدني، ومن طلب غيري لم يجدني. فارفضوا - يا أهل الأرض - ما أنتم عليه من غرورها، وهلموا إلى كرامتي ومصاحبتي ومجالستي ومؤانستي، وأنسوا بي أؤانسكم، وأسارع إلى محبتكم. [2] .

فإذا نجح العبد في محبة الله سبحانه وتعلق قلبه الواله به سبحانه وفقه لأمور عجيبة يستر قلبه ورحه لها. ومن سُلب التوفيق حذره وخوفه من عقوبته لا لحاجة منه سبحانه إلى ذلك ولكن شفقة على عبده كي لا يقع في يبغضه الله سبحانه من الأفعال والأقوال بسبب ما كسبت يداه. كما ورد في الرواية عن الصادق :

«إذا أحب الله تعالى عبداً ألهمه الطاعة، وألزمه القناعة، وفقهه في الدين، وقواه باليقين، فاكتفى بالكفاف، واكتسى بالعفاف، وإذا أبغض الله عبداً حبب إليه المال، وبسط له الآمال، وألهمه دنياه، ووكله إلى هواه، فركب العناد، وبسط الفساد، وظلم العباد.» [3] .

نكتفي بهذا القدر نسأل من الله سبحانه وتعالى أن نكون ممن أحبه من الله سبحانه وليس ممن أبغضه فنخسر الدنيا والآخرة والحمد لله رب العالمين.

[1]  إقبال الأعمال - السيد ابن طاووس - ج 3.

[1]  ميزان الحكمة - محمد الريشهري - ج 1 - الصفحة 508.

[1]  ميزان الحكمة - محمد الريشهري - ج 1 - الصفحة 508.