الفلسفة.. جنازة معطّلة أم ماذا؟
ليس الحديث عن موت الفلسفة جديدًا، وكثيرون من توقعوا نهايتها غادروا هذا العالم قبل تحقق ذلك!
فعلى الرغم من أن الفلسفة تناقش ”السرديات الكبرى: كقضية الوجود والميتافزيقيا أو الماورائيات“ عبر طرح أسئلة تنمي التفكير النقديّ، وتشجع وتشيع ثقافة الحوار، وتساعد الإنسان على فهم ما يدور في هذا العالم بشكل أشمل وأفضل، نجد من يفضَل الفتوحات والإنجازات العلمية الكبيرة على الفلسفة، ويرى ضعف دورها أو عدم جدواها في عصرنا الحالي = أي عصر ما بعد الحداثة.
سئل جيل دولوز عن موت الفلسفة «وهو ناقد أدبيّ وفيلسوف فرنسي اهتم بتاريخ الفلسفة والتأويل» فلم يعترف بموتها بل قال أن هنالك محاولات اغتيال للفلسفة. وأجد حقيقة أن كلام دولوز هنا مقنع، فكل فكرة إنسانية تصطدم بخصم أو غريم تقليدي يحاربها ويخنقها متمسكًا بما يقتنع أو يعتنق، ولكنها لا تموت أبدًا؛ لارتباطها بوجود العقل الإنساني والتفكير.
من المحتمل جدًا أن التطور التكنولوجي المرعب الذي نشهده ساهم بطريقة أو أخرى في الحدّ من تأثير الفلسفة وتحجيمها، ولكن كما قال الفيلسوف مارتن هايدغر: ”لا أحد يعرف كيف سيكون مصير الفكر“.
أجل! لا أحد يعلم كيف سيكون مصير الفلسفة ومذاهبها ومدارسها المختلفة والمتناحرة.
وكمفكر أنت لا تتمكن من مجابهة الفلسفة ومحاصرتها إلا باللجوء لأدوات الفلسفة نفسها، وإن لم تفعل فسيقودك ذلك إلى طريق غير نافذ اسمه التناقض.
تتجلى مهمة الفلسفة أو وظيفتها الأساسية في كونها الحارس الأمين للحقيقة، ولو انحسرت في زمن ما، فهذا لا يعني بالضرورة أنها انتهت أو ماتت، فطالما وجدت الحقائق والقيم والأفكار، فالفلسفة ترافقها وتلازمها كالظل.
كلا.. لا أعتقد شخصيًا أن العلم قد قتل الفلسفة، بل غيّب رسمها ومعالمها حتى صار الناظر إليها يخالها جنازة معطلة لفكرة عقيمة بالية خلافًا للواقع.
وسط سطوة مختلقة لأفكار بليدة ومتشددة تمنع العقل من ممارسة النقد الذاتي والخارجيّ، وترفض نقد الأيدولوجيات والأوهام والترهات.
نحن بحاجة لإحياء الفلسفة، والأدب والمسرح، وكل فكرة من شأنها أن تصون ما تبقى من العقل الإنساني؛ لتلد أخيرًا الحقيقة بسلام.