آخر تحديث: 21 / 11 / 2024م - 6:12 م

خرائط ذهنية

صدور الخطأ أمر وارد من الواحد منا ولا يعدو الحالة الطبيعية، وهذا الإطار الواقعي هو الذي ينبغي أن يوضع فيه لكي يتم التعامل معه بالحدود المنطقية دون تهاون أو تشدد غير مقبول، فالتهاون بالخطأ واستصغار صدوره وكأنه أمر اعتيادي يؤدي إلى الاستمرار في ارتكابه والغرق في وحل الخطايا، بينما التشدد وتأنيب النفس بنحو سلبي وكأنه أتى بما أنهى معه سجل أعماله سيسقطه في أتون اليأس والخلل والإضراب النفسي، والتعامل الواقعي مع الخطأ يفسح المجال لمحاسبة النفس ومعرفة العوامل المؤدية إليه؛ لينطلق في البحث عن المعالجات والحلول الممكنة وعقد العزم على تجنب ما يؤدي به إلى تكراره مستقبلا، وهكذا نجد أن تقوية الإرادة والوعي بالأمور والنظر الحذر هو من الدروس المستفادة من ارتكاب الخطأ، وذلك أنه يأخذ بعين الجد هذه الأخطاء وأوجه التقصير كنقص يعمل جاهدا على التخلص منه وتجنب السقوط فيه مستقبلا، وبالتالي إذا عقدنا مقارنة بين حاله عند ارتكاب الأخطاء وما بعد تراكم التجارب والخبرات وإزاحة العراقيل والعثرات جانبا عن طريق عمله وتحقيق أهدافه، فبالتأكيد سنجده فردا آخر يختلف تماما عما كان عليه سابقا، ويندفع بقوة نحو الإنجاز والنجاح.

من الأساليب التربوية الخاطئة هي عدم الاعتراف بما ارتكبه من خطأ مع ما سمعه ولمسه من توجيهات تنبهه على ما وقع منه، وبدلا عن ذلك يلجأ إلى وسيلة يدافع بها عن نفسه - وعما تصوره من هجوم عليه - ألا وهي التبرير واختلاق الأعذار التي يصورها وكأنها عراقيل حالت بينه وبين تحقيق النجاح والصواب الذي أراده، أو يتجه إلى أسلوب خاطئ آخر ألا وهو إلقاء اللوم على غيره وكأنه الشخص الاحترافي الذي لا يقع منه أي خطأ مهما كان، بينما الاعتراف بالخطأ هو نجاح بذاته يحققه في مسيره، وذلك أن عدم الاعتراف بخطأ سيراكم عليه تلك الأخطاء فلا يكون أي إنجاز صادر منه بالشكل المطلوب والتام، ومن ابتغى طريق التنمية والتقدم، فليتقبل فكرة ورود الخطأ؛ ومن ثم يعمل على مراقبة خطواته وإخضاعها لمجهر الانتقاد والمراجعة وذلك لتلافيه مستقبلا، فمن الآفات التي تصيب مسيرنا الدراسي أو الوظيفي هو الغرور والإعجاب بالنفس، ومعه لا يمكننا تقبل فكرة صدور الخطأ منا ولذا لا نتقبل النصيحة والتوجيه من أحد مهما كان ما يمتلكه من خبرات وتجارب خاضها، مع أن التصحيح المستمر والممارسة بعد التخلص من الأخطاء يقودنا نحو تحسين أدائنا، فبعد الاعتراف والإقرار ارتكابنا للخطأ نتجه نحو التفكير في الاحتمالات والاتجاهات الأخرى والمضي باقتدار.

ارتكاب الخطأ يقترن في أذهان البعض بأنه فشل وعدم القدرة على تحقيق أي إنجاز، والحقيقة أنه فرصة لاكتشاف موارد الضعف والخطأ عندنا على مستوى التفكير أو التنفيذ، ومن ثم يبدأ في إعادة البوصلة باتجاه آخر متخلصا من أخطائه بعد اكتشافها والبحث عن حلول ومخارج أفضل، ولذا من الخطأ في التعامل مع أخطاء أبنائنا التركيز على اللوم والتعنيف، فهذا سيولد عنده شعورا بالنقص والإخفاق وعدم القدرة على تحقيق إنجازات في حياته تتناسب وقدراته وإمكانياته، فالثقة بالنفس لا ينبغي أن يصيبها أي اهتزاز بسبب ارتكاب الخطأ، وتعنيف الأبناء على خطأ ارتكبوه يضعف قدرتهم على البحث عن حلول لمشاكلهم؛ ومن ثم القدرة على اختيار القرار المناسب، فإن الشعور بالمقبولية والمحبوبية في محيطه الأسري مع ارتكابه للأخطاء يساعده على تقبل نفسه والتصالح معها، فالاعتراف بالخطأ يبدأ من التعرف عليه ومساعدة الأبناء على اكتشافه والتعرف عليه، فتصحيح الخطأ لا يقصد به مجرد الاعتذار أو التأسف، بل هو قرار على تجاوز الخطأ والبحث عن طرق أخرى بعد التدقيق فيها والنظر المتأني في خطواته.

?