آخر تحديث: 23 / 11 / 2024م - 8:37 م

تجربتي الرومية

غسان علي بوخمسين

سافرت إلى إيطاليا مع العائلة في رحلة سياحية قصيرة قبل أسبوعين خلال فترة العطلة المدرسية. أحب التنبيه، أن الهدف من هذا المقال، هو تسجيل انطباعاتي ورأيي الشخصي وما لفت انتباهي من خلال مشاهداتي وقراءاتي، وتبيين بعض المعلومات العامة والملاحظات والمقارنات، وبعض النصائح التي أجدها مفيدة للقارئ عموماً، في اجتهاد مني في محاولة إحياء أدب الرحلات بقالب معاصر يناسب قارئ اليوم، وأعتذر من القارئ الكريم على طول المقال، كوني أفضّل أن يكون من جزء واحد بدون تقسيم.

إيطاليا بلد عجيب، ماضيه أجمل وأغنى من حاضره، بلد لم ينعم بالاستقرار السياسي والاجتماعي طيلة القرون الماضية، فلم يحظ الإيطاليين بوطن موحّد إلا في القرن الماضي، لهذا السبب لا تجد عندهم شعوراً قوياً بالوحدة الوطنية الجامعة، بل تجدهم متمسكين بهوية المدينة أو الإقليم. لذلك نجده موطن التناقضات والغرائب والتنوع والغنى العجيب والفريد في بلد واحد، فهو بلد التاريخ الحافل بالأحداث والشخصيات، حيث تجد الدين «الفاتيكان مركز المسيحية الكاثوليكية» والحضارة العريقة المهيمنة «الحضارة الرومانية» والسياسة «ميكافيللي» وعصر النهضة «عائلة ميديتشي» والفن «دافنشي» والعلم التجريبي «غاليليو» والأدب «دانتي» والعمارة «مايكل انجلو» والرحلات التجارية «ماركو بولو» والموسيقى «فيفالدي» وفنون الأكل «البيتزا والباستا والاسبرسو والتيراميسو» والأزياء «أرماني، غوتشي، ?يرزاتشي، برادا، فندي» والسيارات الفارهة «فيراري، لامبورغيني، مازيراتي» والجريمة «المافيا»!. وهنا أستحضر مقولة أورسون ويلز «مخرج أمريكي» اللاذعة، التي تلخص غنى هذا البلد بالإبداع الفريد رغم عدم استقراره، حين قال: ”في إيطاليا، لمدة 30 عامًا تحت حكم بورجيا، كان لديهم الحروب والإرهاب والقتل وإراقة الدماء - أنتجوا مايكل أنجلو وليوناردو دافنشي وعصر النهضة. في سويسرا، كان لديهم الحب الأخوي و500 عاماً من الديمقراطية والسلام، وماذا أنتجوا؟ ساعة الوقواق!“

إيطاليا بلد سياحي من الطراز الأول، حيث تعتبر خامس بلد سياحي في العالم بعدد سياح وصل إلى 68 مليون سائح العام الماضي. يزور السياح إيطاليا في المقام الأول لفنها الغني والمطبخ والتاريخ والأزياء والثقافة وسواحلها الجميلة والشواطئ والجبال والآثار القديمة التي لا تقدر بثمن لا سيما الرومانية وعصر النهضة. السياحة من أسرع القطاعات نمواً في إيطاليا وأكثرها ربحية مع عائدات تقدر بنحو 42,7 مليار دولار.

موقع إيطاليا الفريد القريب من الشرق، أعطاها ميزة فريدة على بقية أوروبا، حيث أمّن لها الاحتكاك المباشر مع حضارات الشرق المختلفة والاستفادة منها، لهذا وجدنا كثرة العلماء والرحالة والفنانين والأدباء الذين برزوا مبكراً في إيطاليا قبل بقية أوروبا، ولا غرابة حينئذٍ أن تسطع شمس عصر النهضة من إيطاليا.

بداية رحلتي كانت في روما، عاصمة الإمبراطورية الرومانية وأحد أشهر المدن السياحية في العالم. عند وصولي لمطار روما، تداعت إلى ذهني المقولة الشهيرة“كل الطرق تؤدي إلى روما”التي صارت مثلاً متداولاً حول العالم، ويقال أن سبب هذه المقولة الشهيرة، هو أن الرومان حين توسعوا، وسيطروا على معظم مدن العالم آنذاك، كانوا يربطون كل مدينه يستولون عليها بطريق مرصوف يؤدي إلى روما لأحكام السيطرة عليها ولضمان وتسهيل وصول جنودهم إلى ديارهم في روما، ففي ذلك الوقت لم يكن هناك طريق مرصوف غير تلك التي تؤدي إلى روما.

شعرت عند وصولي لروما القديمة حيث مقر الفندق، أن الزمن رجع بي للوراء ألفي عام! وكأني في زمن الرومان في القرن الأول الميلادي ومشهد الكولسيوم ماثل أمامي إبان ذروة المجد والقوة الرومانية.

وفقاً للأسطورة، تأسست روما القديمة من قبل أخوين، وأنصاف آلهة، رومولوس وريموس، سنة 753 قبل الميلاد. تدّعي الأسطورة أنّهُ وفي أثناء جدال حول من سوف يحكم المدينة «أو، في نسخة أخرى، حول أين المدينة ستقع» رومولوس قتل ريموس وسمّى المدينة تيمناً بنفسه. هذه القصة الأكثر انتشاراً حول تأسيس المدينة، ولكنها ليست الوحيدة.

في بداية الرحلة، زرنا نافورة تريفي «تسمى نافورة العشاق» وتكاد تكون أشهر نافورة في العالم، اختير المكان حيث تقع في تقاطع الطرق الثلاث التي فيها قناة أكوا فيرجو، وهي واحدة من القنوات التي كانت تزود روما القديمة بالمياه في القرن ال19، يقصدها نحو 12 مليون سائح سنويا أملاً منهم بأن تتحقق أمنياتهم وفقا للأسطورة القديمة، ويقال أن العملات المرمية فيها تساوي مليون يورو سنوياً، بعدها ذهبنا للدرج الأسباني، وهو من المعالم السياحية الشهيرة في روما. بعدها ذهبنا إلى البانثيون. اكتمل بناؤه عام 125 ميلادي، وهو أفضل مبنى باق من روما القديمة. قبته الخرسانية الرائعة شهادة موثقة على عبقرية مهندسي العمارة الرومان. لما كان المبنى ما يزال سليمًا حتى الآن فإنه يوفر فرصة فريدة من نوعها للزوار للعودة في الزمن 2000 عام والتعرف على عظمة روما القديمة. لم يُعرف الغرض من المبنى يقينًا، لكن الاسم والشرفة وزخرفة النُصب تشير إلى معبد من نوع ما.

في اليوم التالي ذهبنا في زيارة لدولة الفاتيكان، تأسست الفاتيكان، بموجب اتفاق اللاتران الذي وقّعه الكرسي الرسولي مع إيطاليا في 11 فبراير 1929 أصبحت الفاتيكان هيئة ذات سيادة ونظام الحكم فيها ملكي. تعتبر الفاتيكان أصغر دولة في العالم، مساحتها 44 هكتاراً وتقع في العاصمة الإيطالية قرب نهر التيبر. عدد سكانها نحو 800 نسمة 450 منهم فقط يحملون جنسية الدولة. كانت الزيارة مع مرشد سياحي، تجولنا داخل كاتدرائية القديس بطرس «حيث يعقد فيها البابا عظته الأسبوعية» وهي أكبر وأشهر كنيسة في العالم، وفيها قبور معظم البابوات، وكنيسة سيستينا وهي المقر الرسمي للبابا، التي يجتمع فيها الكرادلة لانتخاب البابا الجديد، وفي جدرانها وسقفها إبداعات الرسام والنحات الشهير مايكل أنجلو، وروائع الفن الإيطالي في عهد الرومان وعصر النهضة الموجودة في المتحف، ورأينا الحرس السويسري بملابسهم الزاهية الغريبة، وهي من تصميم الرسام والنحّات الإيطالي الشهير مايكل آنجيلو. «وإن كنت أراها أقرب لثياب المهرجين منها لثياب الحرس»، فمنذ العام 1506 يقومون بحراسة حاضرة الفاتيكان والبابا.

كانت الزيارة غنية وثرية جداً بالمعلومات في التاريخ والفن والعمارة والسياسة، استفدت منها كثيراً في تصحيح وترتيب معلوماتي في التاريخ والفن والعمارة في أوروبا القديمة والحديثة. نصيحتي لمن أراد زيارة الفاتيكان «الزيارة تستغرق قرابة ساعتين ونصف»، أن تكون الزيارة مع مرشد سياحي، وأن يجري الحجز قبل أشهر لصعوبته وشدة الطلب عليه، ليستفيد من زيارته بالشكل المطلوب.

بعدها توجهنا في زيارة مع مرشد سياحي للكولسيوم والمنطقة المحيطة به، بدأت الزيارة لمنطقة المنتدى الروماني، حيث كان لقرونٍ طويلة قلب الحياة العامة في روما القديمة، فكانت تقام فيه الاحتفالات الشعبية والانتخابات الحكومية، وكان مركزاً لإلقاء الخطابات العامة وإجراء المحاكمات العلنية وعرض قتالاتٍ حتى الموت بين السجناء، بل وكذلك جوهر التجارة والحياة الاقتصادية الرومانية. كان الميدان مملوءاً بتماثيل تخلّد ذكرى رجالٍ رومان قدماء. يعتقد البعض أن المنتدى الروماني كان أشهر ملتقى عام في التاريخ بأسره، إذ لا يزال يجتذب حتى الآن كموقعٍ أثري بارز 4,5 ملايين زائرٍ سنوياً.

خلال الزيارة تجوّل بنا المرشد خلال الآثار السياحية شارحاً لنا التاريخ الروماني بتفاصيله الدقيقة، التي تظهر مدى التطور المعماري الذي وصل له الرومان من 2000 سنة خلت، ولا يفوتني أن أشير لموقف حدث في الزيارة، حينما ذكر المرشد انه لن يتكلم في الدين والسياسة «قاطعاً بذلك الطريق على أي نقاش محتمل قد يحتدم نتيجة كلامه»، ولكنه أشار إلى نقش موجود على قوس النصر، فيه جماعة من الرومان جلبوا ما نهبوه من القدس عام 70 ويظهر في النقش بوضوح الشمعدان اليهودي، في دليل اركيولوجي دامغ من 2000 عام على وجود اليهود في الأرض المقدسة «حسب دعواه»، ولعَمْري أنها دعوى بائسة لا تستحق الرد، فالقدس توافد عليها عشرات الجماعات البشرية في ال3000 السنة الماضية، وبهذا المنطق، يكون لكل منها الحق بالمطالبة في هذه الأرض.

بعد ذلك توجهنا إلى الكوليسيوم وهو مدرج روماني عملاق يقع في وسط مدينة روما، جرى تشييده إلى شرق المنتدى الروماني، ويرجع تاريخ بنائه إلى عهد الإمبراطورية الرومانية في القرن الأول فيما بين عامي 70 و72 بعد الميلاد. حين تراءى لي الكوليسيوم تذكرت الفيلم المشهور «المحارب» gladiator إنتاج عام 2000، وهو الفيلم الذي زاد من السياحة إلى روما ثلاثة أضعاف بعد عرضه، وقد أشار مرشد الجولة إلى أن الفيلم جميل إخراجيا ودرامياً، ولكنه مليء بالأخطاء التاريخية، حيث صوّر الرومان على أنهم جماعة متعطشة للدماء والموت، وتفتقر للرحمة والتحضر، ولا أعلم لماذا يعترض على فيلم سينمائي هدفه الإثارة والتشويق، وهو أبعد ما يكون عن الدقة التاريخية والموضوعية، فمن أرادها عليه البحث في بطون الكتب، وليس شاشات السينما حيث المطلوب منها المتعة والإبهار والتأثير في المشاهد نفسها.

بُني المدرج الأكبر في العالم القديم من الخرسانة والحجارة، ويعد المدرج بمثابة العمل الأكبر الذي شيدته الإمبراطورية الرومانية، حيث يعتبر واحدًا من أعظم الأعمال المعمارية والهندسية الرومانية. كانت الساحة تستخدم في قتال المصارعين والمسابقات الجماهيرية مثل المعارك البحرية الصورية وصيد الحيوانات والإعدام وإعادة تمثيل المعارك الشهيرة والأعمال الدرامية التي كانت تعتمد على الأساطير الكلاسيكية، حيث تتراوح سعته ما بين 50,000 إلى 80,000 شخصًا في المدرجات المكونة من ثمانية صفوف. كان يجلس في المقدمة بالقرب من الساحة الرملية الإمبراطور وأعضاء مجلس الشيوخ، بينما كان يجلس في الأعلى الطبقات الدنيا من المجتمع. استمرت مراسم افتتاحه 100 يوم، حيث شاركت فئات الشعب الروماني بأكمله في ذلك الحدث.

ولا أخفيكم، كان لديّ تصور ذهني مسبق عن الكولسيوم، أنه مجرد أطلال بسيطة لن تستغرق زيارته أكثر من ربع ساعة، لكني فوجئت بالقدر المتبقي منه والتفاصيل المذهلة الموجودة فيه، ومما أشار له مرشد الزيارة، إن هدف القتال بين المتحاربين ليس الموت بالتأكيد، فالمقاتل يكلف ثروة طائلة على مالكه ليتحول لمقاتل محترف، بل كانت هناك شروط وأعراف للقتال تجري بموجبها، وليس الموت هو النتيجة الحتمية في كل الجولات. وبعد الزيارتين شعرت بسعادة غامرة، كوني محب للتاريخ والآثار، وإن كان الكثيرون لا يشاركوني هذا الاهتمام! وأكرر التنبيه على أهمية الحجز المبكر للزيارة مع مرشد سياحي للحصول على تجربة جيدة.

من الأشياء الشهيرة في إيطاليا، هو غنى المطبخ الإيطالي وشهرته العالمية، حيث جربنا أكل الباستا الأصلية الطازجة من صنع سيدات يصنعوها في المطعم، وكذلك التيراميسو، حيث يوجد محل يصنع 100 نكهة ووصفة منها. ومما يميز الإيطاليين هو شدة تمسكهم بأصالة وعراقة أكلاتهم ووصفاتهم والرفض الكامل لتغييرها أو تطويرها. من السمات الرئيسة للمطبخ الإيطالي بساطته، حيث تتكون العديد من الأطباق من مكونات قليلة، وبالتالي يعتمد الطهاة الإيطاليون غالبًا على جودة المكونات، بدلاً من تعقيد عملية التحضير. من ملاحظاتي هو حرص جميع فئات الشعب على تناول الأطباق الشعبية، ولم أجد انتشاراً لمطاعم الوجبات السريعة العالمية مثل البلدان الأخرى، وأكثر مشهد لفتني وأثار انتباهي، هو مشهد رجال الشرطة حين دخلوا مطعماً شعبي شهير، وطلبوا باستا طازجة رغم إنها تستغرق وقتاً طويلاً، وهذا دليل على أن الأكل لديهم ليس مجرد تناول طعام وعملية إشباع، بل هو أسلوب حياة عريق ومتجذر في ثقافتهم الشعبية، مما ولّد لديهم حس عال في ثقافة الأكل أو ما يسمى gastronomy.. ومن ميزات المطبخ الإيطالي انه معتمد على ما يسمى النظام الغذائي للبحر الأبيض المتوسط، قوامه الخضراوات والفواكه والأعشاب والمكسرات والفاصوليا والحبوب الكاملة وكميات معتدلة من الحليب ومشتقاته والدواجن والبيض، والمأكولات البحرية. وهذا النظام صحي، وتوصي جمعيات القلب في العالم، ولهذا نجد الشعب الإيطالي من أطول الشعوب أعماراً.

من الأمور المعروفة حول الإيطاليين، أنهم شعب يحترم الأسرة والاجتماعات العائلية خلاف بقية الأوربيين، ويحب حضور الحفلات والمهرجانات، فحياتهم نابضة صاخبة يتحدثون بصوت عال، ويحركون أيديهم، وهم يتكلمون ويعبّرون عن مشاعرهم بوضوح، قد يراها من لم يتعود عليهم أنها جرأة أو صفاقة. والعجيب أنهم في العقود الأخيرة، صاروا يعزفون عن الزواج، مما سبب تناقصاً حاداً في المواليد، والزيادة الحاصلة في السكان تأتي من المهاجرين، وليس من الإيطاليين، ومن طرائف القصص، ما حدث في قرية إيطالية احتفلت بأول مولود فيها منذ 8 أعوام!

أتذكر في بداية أزمة كورونا «فبراير 2020» أن الإيطاليين لم يمتثلوا للنصائح الطبية، مثل التباعد الاجتماعي والإغلاقات ولبس الكمامات، فضربهم الوباء بعنف، وسبب لهم وفيات عديدة ولا سيما بين كبار السن بينهم.

أخبرني أحد الأقارب، زار إيطاليا قبل كورونا وزارها مؤخراً، أنه لاحظ تغيراً إيجابياً في تعاملهم مع السياح، حيث كانوا في السابق يتسمون ببعض العنصرية والصلف تجاه السواح غير الأوربيين، لكنهم بعد أزمة كورونا والحجر والإغلاق، وفقدان الكثيرين لمصدر رزقهم من السياحة، أصبحوا أكثر ليونة وقبولاً للسياح وهذا أمر جيد بطبيعة الحال.

لاحظت كثرة الأجانب من الجاليات الأفريقية والبنغالية، ربما لأن إيطاليا أهم مراكز استقبال الهجرة غير الشرعية لأوروبا النشطة في البحر، لكن لم أواجه مشاكل أمنية تذكر ولله الحمد، وأهم مشكلة واجهتها هي عدم إتقان البعض للإنجليزية خصوصاً كبار السن وهذا متوقع.

من النصائح المهمة، هو اختيار وقت السفر، حيث وقت الذروة بكون بين شهري مايو وسبتمبر، وتكون الحرارة في هذه الفترة مرتفعة تصل ل40 درجة مئوية، ولا سيما في الجنوب وروما وفلورنسا ولا تصلح للزيارة، في رأيي أفضل وقت للزيارة شهري اكتوبر ونوفمبر حيث اعتدال الجو وانخفاض السواح نسبياً، حيث كانت رحلتي في أجواء ممتازة ولله الحمد.

من الجوانب السلبية التي لاحظتها، ضيق الممرات والأزقة وكثرة الدراجات النارية ورعونة القيادة عموماً والسماح للسيارات بالدخول حتى في الطرق الضيقة، مما يسبب ضيقاً وحرجاً للمشاة، ولكنها طبيعة البلد، وقد تلقيت نصائح وتحذيرات عديدة قبل زيارتي، بضرورة الحذر والانتباه من كثرة السرقة والنشل، حيث إن سمعة البلد سيئة جداً في هذا الجانب، ولذلك من الواجب على السائح الحيطة والحذر خصوصاً في الأماكن الضيقة والمزدحمة ووسائل النقل العامة، ولكن الأمور جرت معنا على نحو مريح ولم نواجه أي إشكال ولله الحمد.

من الملاحظات، شيوع استخدام النقد، وهذا يعطي مجالاً للسائح في حالة خوفه من استخدام البطاقة نتيجة عدم وثوقه في المحل، كذلك استخدامهم الكثيف الأكياس البلاستيكية، خلاف بقية الدول الأوروبية التي تعتني بالبيئة.

بعد روما، توجهنا إلى فينيسيا بالقطار في رحلة استغرقت حوالي 4 ساعات ونصف، وتملك إيطاليا شبكة قطارات ممتازة وفعالة، وجدتها أفضل من بريطانيا وفرنسا في بعض التفاصيل.

مدينة فينيسيا أو البندقية مدينة أيقونية غنية عن التعريف، ظلت المدينة لأكثر من ألف عام عاصمة «جمهورية فينيسيا» وكانت تعرف باسم ملكة البحر الأدرياتيكي. نظراً لتراثها الحضاري والفني، ومنطقة البحيرات التي بها، تعد المدينة من أجمل مدن العالم التي ترعاها منظمة اليونسكو الأمر الذي جعلها ثاني مدينة إيطالية بعد روما من حيث ارتفاع نسبة التدفق السياحي من أنحاء مختلفة من الخارج. بدأت الزيارة مع مرشد سياحي لميدان القديس ماركو حيث زرنا قصر دوكاله وكنيسة القديس ماركو الملاصقة، حيث مررنا بجسر التنهدات الشهير، أطلق عليه هذا الاسم، لأن المساجين كان ينبغي عليهم عبوره. كان المساجين يرحلون من السجن إلى القصر للمحاكمة، خلال مرورهم فوق الجسر، وإذا كان المساجين مذنبين يرسلون لتنفيذ حكم الإعدام فيهم من خلال ممر آخر من الجسر.

الزيارة لميدان القديس ماركو جميلة وثرية وممتعة وغنية بالتاريخ، ومن الملاحظات على المدينة هو حجمها الكبير نسبياً، حيث كنت أتصورها صغيرة يمكن التجول فيها بسرعة، كذلك كثرة المحلات التجارية والماركات العالمية المنتشرة في أزقة الجزيرة، ومن التجارب الممتعة والرائعة هو التجول بالقارب أو الجندولا، حيث أنها تجربة جميلة لا تنسى داخل القنوات الضيقة بين مباني الجزيرة الحالمة.

من الملاحظات هو كثرة السواح، طوال العام، مما قد يؤثر على جودة تجربة السائح في أوقات الذروة. مرة أخرى، أؤكد على أهمية تجنب زيارتها في فصل الصيف حيث إن الحر لا يطاق حينها.

بعدها توجهنا بالقطار إلى فلورنسا في رحلة نحو ساعتين. فلورنسا هي عاصمة إقليم توسكاني الشهير، ومدينة مهمة في تاريخ إيطاليا، حيث ينظر لها البعض أنها مهد عصر النهضة الذي أنجب دافنشي ومايكل انجلو ومسرح النفوذ لعائلة ميديتشي الشهيرة، التي ارتبط اسمها بهذه المدينة، فلا تكاد تذكر المدينة إلا، ويحضر اسم هذه العائلة المتنفذة، التي رسمت الكثير من الأحداث في تاريخ المدينة. اشتهرت المدينة في العالم بأسره كمهدٍ للفن والعمارة بمبانيها التاريخية العديدة ومعالمها ومتاحفها الغنية، فاشتهرت باعتبارها واحدة من أجمل وأهم مدن العالم. سميت المدينة «أثينا العصور الوسطى».

أخذنا جولة سياحية مشياً على الأقدام لمدة ساعتين مع مرشدة سياحية، شاهدنا فيا أبرز معالم المدينة القديمة، مثل ساحة ساحة السيادة، وهي الساحة المركزية في فلورنسا ومقر القوة المدنية بوجود قصر فيكو «القصر القديم» وقلب الحياة الاجتماعية في المدينة.. كذلك ساحة الكاتدرائية Piazza del Duomo,، وساحة مايكل انجلو، كذلك بعض القصور القصر القديم وقصر ميديشي ريكاردي. كذلك مررنا على جسور شهيرة مثل جسر سانتا ترينيتا. كذلك مررنا على متاحف عديدة يعتبر بعضها من أشهر متاحف العالم.

تتميز فلورنسا بأسواقها الكثيرة ومنتوجاتها الجلدية الفاخرة التي تتميز بها إيطاليا والماركات العالمية المنتشرة في أرجاء المدينة.

في اليوم التالي، أخذنا رحلة سياحية بالحافلة ليوم واحد، لزيارة لمدينة بيزا، تبعد قرابة 100 كلم. أشهر معالمها توجد في ساحة المعجزات المعلنة كأحد مواقع التراث العالمي، وهي الكاتدرائية الرخامية، كما يوجد بها برج بيزا المائل المبني في القرن الثاني عشر بطول 55 متر والذي أخذ شكله المائل مباشرة بعد بدء بناءه. يبلغ طول البرج 56 متراً، وينقسم إلى ثمانية طوابق يربطها درجٌ لولبيّ عدد درجاته 297 درجة، وتستخدم ستة طوابق منه كمنصةٍ للمناظر الطبيعية لمدينة بيزا والقرى المحيطة. ومما قرأت عن البرج انه كان يميل بمقدار 5,5 درجة قبل إجراء عمليات الترميم والإصلاح المُكثَّفة بين عامَي 1990م، و2001م، التي ساعدت على تقليص هذا الميلان ليصبح مقداره 3,99 درجة. وقد استغرق بناؤه قرنين من الزمان مع فترات توقف متعددة. بعد ذلك توجهنا لزيارة مدينة لوكا مدينة إيطالية في الجزء الشمالي الغربي من وسط إيطاليا، وهي مدينة صغيرة تشتهر بكونها قد تكون أكبر المدن الإيطالية بأسوارها من القرون الوسطى لا تزال سليمة تماماً.

في اليوم الأخير، ذهبنا في جولة تسوق في آوتلت فلورنسا حيث وجدته مزداناً بالمشاهد الجميلة التي تميز ريف توسكانا الساحر، كذلك جمال التصميم للسوق والمريح للتسوق.

وبذلك انتهت رحلتنا القصيرة والممتعة إلى هذه البلاد، الساحرة المتخمة بالتاريخ والعمارة والجمال.