أثر الفراشة
المعرض السنوي الخامس والعشرون لجماعة التصوير الضوئي بالقطيف مستقصيًا أثر الجَمال.
تمتاز بالرِّقة، صغيرة الحجم وخفيفة الحركة، ترحل وتترك أثرًا بعيد المَدى لا يرُى ولا يزول. يقول درويش في قصيدتهِ ”هو مثل أغنية تحاولُ أن تقول، وتكتفي بالاقتباس من الظلالِ ولا تقولُ.. أَثَرُ الفراشة لا يُرى، أَثَرُ الفراشة لا يزولُ“ يمر الكثير في حياتنا كبشر ومع كل لحظة نعيشها يُترك على أرواحنا أثر، ليس بالضرورة ان يكون ثلاثي الابعاد ويُلمس، بعضها شفاف وآخر يترك رائحة وبعضها أملس الملمس وغيرها خشن، صغيرة احيانًا ولا يدركها المرء وكبيرة أحيان أخرى لدرجة انها تُرى من مسافة شاسعة.
لحظات كثيرة تمر لا يدركها المرء، تتركُ أثرًا وتلتقطها عدسة الفنان فقط، فاثر شعور المرء لا يُكتب ولا يوصف سوى بتخليده، كآثار المشاعر الكامنة بداخل الانسان، كيف يمكن لفقد عزيز ان يترك ندبة على ارواحنا وتجعل الحياة رمادية اللون وبلا طعم ونُدب أخرى جسدية تركت أثر لحدث لا يزول من الذاكرة وكأنه أبديّ. بينما يتشارك آخران عضو - كلية - حتى يكملا الحياة ببعضهما وذلك بأثر من مودة ورحمة. وعن ملامح شفافة ذات تعابير صادقة بعيدة عن كلمات ومجاملات البشر الكاذبة في حين ان كلمات طيبة أخرى تصنع ابتسامة.. وحرب داخلية لا يعرفها أحد سواك انت، مُتشابكة الاحداث ومُحمّلة بأثر عميق لا يُرى! ترى فكرة تجّرُ فكرة تكوّن سلسلة حولك تقيدك وتبقى فيها دون حِراك.
نتقاسم الضحكات والاوجاع معًا يستند كلًّ منّا على الآخر، رفقة طيبة تحمل أثر، بل وأكثر. وعِشرة طيبة بكسر العين لا فتحها بين زوجان تُبقي أثرًا عظيمًا مُمتدًا على مرّ السنين. من نظرة تختبئ تحت يدٍ صارمة وقوية لا تشبه القسوة كما نراها من بعيد وانما شيء يشبه العطف والحب رغم وجود الألم، ويد أخرى ممتدة حنونة تُعيدك للخلف سنوات عديدة وتجعل منك طفلًا صغيرًا مشتاقًا للمساتها التي تحاوطك بالأمان.
وعن معنى تلوين الحياة يحدثنا عمل، عن رجل يعيش في مزرعة تبعد عن مقبرة بعشرة أمتار وفي خلال عشرون عامُا حوّلها للوحة فنية ”رُبما يمكننا ابطاء الساعة إذا بدأنا بتلوينها“. خطوط اشبه بالتجاعيد مُتراصّة يصنعها الهواء، أشبه بالمواقف البسيطة التي ترسم وتصقل شخصيته مع مرور الزمن، فبأثر صغير جدًا يجعل كل شيء مُختلف عن الآخر. من منظور آخر تسقط الشمس ضوءها بألوان دافئة تتلاعب ظلالها بالتضاريس..
وصخور أثرية ترمز لأثر بشكل فريد ومميز عن غيرها، اثراء والمستقبل والابداع. وفي ظل التطور ما تبقى في القطيف بين بحرٍ ونخيل، بقيت لنا منها أثر برائحة البحر وملمس صخور مرجانية عتيقة ودفء العائلة الكامن في جدرانها، وأبواب ملونة خلف كل باب تروى حكاية، وثمر نخيلها المزروعة في ارجاء المدينة مُزدهرة. ان نخلتين وقلعة، رمز لحضارة تاريخية قد بُنيت، ومكحلة تبرز جمال العين موروثًا ثقافيًا. وتغيير ثقافة أطفال وانتقالهم من منزل دافئ إلى خيام في بلاد غريبة. ان التقاء ثقافيتين أو أكثر في ثقافة واحدة، بل اندماجها من ثقافات غربية وأخرى شرقية يثير تساؤلنا دومًا عندما نراه في حياة الشوارع وبالرغم من الحداثة والتطور الا ان الثقافات الشرقية لا تزال الأقرب إلى الفطرة السليمة.
”الصورة صورة لا تراهن كيمياء الأفكار الجاهزة.. وهي تقترح الامتلاء في الفراغ والحضور في الغياب، مُذكّرة ايانا بأن ما تصنعه الصورة ليس القبض على سخط الأشياء، بل توفير الأسباب لالتقاط ما هو سحري في الأشياء العابرة“ ونحن اليوم عابرون في مكان مكتظ بالحضور، نترك أثرًا واضح، بحضور، بكلمة، بابتسامة، بسرور يُدخل على الحاضرين.
تذكّر حضورك وان كان صامتًا هو أثر بشكلٍ آخر..