درع وطوق نجاة
دائماً ما تتبادر لذهني نظرية القرود التي أحضر فيها بعض العلماء 5 قرود ووضعوهم في قفص، ثم علقوا في منتصف القفص حزمة موز ووضعوا تحتها سلماً.
عندما رأت القرود الموز، سارع أحد القرود في ارتقاء السلم للوصول للموز فقام العلماء برش جميع القرود بالماء البارد.
- وهكذا، في كل مرة يحاول أحد القرود تسلق السلم لأخذ الموز يقوم العلماء برش الجميع بالماء البارد. بعد مدة بسيطة، أصبح يمنع ويضرب من بقية القردة كل قرد يحاول التسلق للوصول للموز خوفاً من الماء البارد الذي رسخ في ذاكرتها. ثم صارت القردة لا تتجرأ على التسلق ليس خوفاً من الماء البارد، إنما خوفاً من الضرب الذي تسترجعه ذاكرتها. بعدها قام العلماء بتبديل أحد القرود بقرد جديد، وطبعاً أول ما قام به القرد الجديد هو محاولة الوصول للموز، لكن كالعادة، قامت القردة الأخرى فوراً بضربه ومنعه وهو المسكين لا يعلم لماذا ضرب! ثم استمر العلماء في تبديل القرود واحداً تلو الآخر، حتى صار لديهم 5 قرود جديدة لم ترش بالماء البارد ومع ذلك، بقيت القرود تضرب أي فرد تسول له نفسه للوصول للموز!
- يقال إن من لم يتعلم من الصفعة الأولى فهو يستحق الثانية وربما الثالثة والرابعة حتى يتعلم أن يتفادى الصفعات. أيضاً من يمس النار ويحترق ثم يمسها مرة أخرى أو يسقط في حفرة ولا يتعلم تفاديها. وقس على ذلك الكثير من التجارب كالتعرض للكذب أو للنصب والاحتيال أو الدخول في علاقات سامة. وتعلم تفادي الصفعات أو التجارب السيئة يعتمد على الذاكرة. لذلك تعتبر الذاكرة درعاً وطوق نجاة وواحدة من أكبر النعم التي وهبها الله للكائنات الحية جميعاً وليس الإنسان فقط فلولا الذاكرة لم استطاع أي كائن حي القيام بمهام حياته اليومية. ولما استطاع تذكر موارد الماء والغذاء أو تجنب الخطر أو حتى الوصول لمسكنه ولما استطاعت الحيوانات معرفة جهات هجرتها. - يساعد تذكر الإنسان للتجارب السيئة السابقة التي مر بها على استخلاص الدروس منها وتجنب تكرار الأخطاء في المستقبل. تساعد الذاكرة الإنسان أيضاً على تجنب المخاطر المحتملة أو الأشخاص الضارين. ويعتمد اتخاذ الإنسان لقراراته أو اتجاهاته المستقبلية على تجاربه وذكرياته السابقة وذلك من خلال استرجاع المعلومات التي تشجع أو تحذر من القرار أو الاتجاه المتخذ.
كما تساعد الذاكرة على تحفيز الإبداع لإيجاد طرق وحلول جديدة للتعامل مع المشاكل والتحديات. وتزداد قيمة الإنسان بازدياد خبرته والمعلومات المخزنة في ذاكرته. وعلى الرغم من أهمية الذاكرة العظيمة لكن كثيراً ما يحصل أن تخون الإنسان ذاكرته فينسى وسبحان من لا ينسى أو يسهو أو ينام. - ونظراً للأهمية الكبيرة للذاكرة، يمكننا فهم خطورة فقدانها أو تدهورها كإصابة الإنسان بمرض الزهايمر مثلاً ولذلك تعتبر الذاكرة أداة قوية لتفاعل الكائن مع محيطه وتكيفه مع بيئته ولبقائه على قيد الحياة.