الهواء النقي
تخرج أحمد من المرحلة الثانوية، وعزم على الالتحاق بالجامعة في قسم الفلسفة، ولكن القبول فيه يتوقف على اجتياز المقابلة الشخصية التي تكشف عن مدى مناسبة الطالب للدراسة في هذا القسم من عدمها.
وكانت المقابلة الشخصية له مع رئيس القسم، حيث طلب من أحمد كتابة موضوع عن الهواء النقي في وقت لا يتجاوز نصف ساعة.
تساءل أحمد في نفسه، هل من المعقول أن يكون المطلوب مني الكتابة عن حقيقة الهواء النقي وفوائده وعلاقة العفن والبكتيريا والفيروسات به ومدى تأثيره على مرضى الربو والحساسية والجيوب الأنفية أو الحديث عنه من خلال علم البيئة؟
بالطبع الدكتور لا يريد ذلك، بل يريد اكتشاف نزعة تفكيري الفلسفية من خلال هذا العنوان.
بينما أحمد يقلب الأفكار في ذهنه رمق كومة كبيرة من الأوراق المبعثرة وغير المرتبة أشبه بتلة على مكتب رئيس القسم، فقال في نفسه: لقد وجدتها في هذه الكومة الورقية، فعلى قلمي الآن أن يتخذها جسرا ليتفلسف في العنوان المطلوب مني ويقوم بمهمة الربط بين العنوان المتمثل في الهواء النقي وبين هذه الكومة الورقية الماثلة أمام ناظري.
انطلق أحمد في الكتابة بطرحه هذا التساؤل:
هل فكرت يوما أن تنفض الغبار عن الأوراق المتراكمة والمبعثرة التي تملأ مخازن عقلك؟
بالطبع ستجد أوراقا مهترئة وأوراقا لا تستحق البقاء في هذه الخزانة العقلية ينبغي التخلص منها، وفي نفس الوقت ستجد في هذه الكومة الكبيرة من الورق أوراقا في غاية الأهمية لم تر النور ولم تنشر بسبب هذا الركام.
فعليك المحاولة الجادة المنظمة التي تعمل على تنظيم هذه الخزانة، فمتى ما نهضت بهذه المهمة التنظيمية الترتيبية سيصل الهواء النقي لأفكارك التي كانت مخبوءة بين ذلك الركام، حيث أنه مانع من وصول الهواء النقي لها. فنقاء الفكرة وصفائها مرهون بنقاء الهواء الواصل إليها الخالي من العفن والبكتيريا والفيروسات المتمثل في جودة ودقة ترتيب تلك الأوراق المتراكمة المبعثرة.
الكلام هنا ليس كلاما نظريا، بل هو واقعا معاشا، إذ لا نجد فرقا بين زيد وعمرو وخليل وسمير ونحوهم في نزوعهم نحو تجميع كومة الورق في أذهانهم، إلا أننا نجد تفاوت في الفكر وفروقات في النظر للأشياء بينهم، ومنشأ الاختلاف بينهم عائد إلى تنظيم هذه الكومة وفرز الصالح منها عن الطالح لإبقاء الصالح والتخلص من الطالح، فمكمن الفرق هو جودة الفرز.
وعلى هذا أقول بأن الجاد في نقاء فكره وصفاء ذهنه هو من يحسن ويتقن ترتيب رفوف ذهنه، فلا يبقي عليها من الورق إلا النافع منها وما هو بحاجته.
والخلاصة هي: بأن تكدس الأشياء وبعثرتها تشكل تشوها بصريا، وتكدس أوراق المعرفة وتبعثرها على رفوف العقل تشكل تشوها ذهنيا وعقليا.
لقد انتهى أحمد من كتابة مقاله حول الهواء النقي، والآن ينتظر نتيجة قبوله في قسم الفلسفة. فهل تتوقع أيها القارئ الكريم بكتابته هذه أن يجتاز امتحان القبول أم لا؟