آخر تحديث: 23 / 11 / 2024م - 12:36 ص

الوطن العربي ونهاية الحرب الباردة

يوسف مكي * صحيفة الخليج الإماراتية

في المقال السابق، تناولنا جانباً من الصراع الدولي على الوطن العربي، وأشرنا إلى تأثيرات الحرب الباردة في هذا الصراع، حيث قسمت التوجهات السياسية والتحالفات داخل البنيان العربي، تبعاً لما يجري على الساحة الدولية. واقع الحال أن الصراع الدولي على المنطقة، لم يتم بين المعسكرين، الرأسمالي والاشتراكي، فقط بل كانت له امتداداته، حتى ضمن المعسكر الواحد. فالشركات النفطية البريطانية والأمريكية، شهدت تنافساً محموماً على المنطقة، كان له تأثيراته المباشرة في الأوضاع السياسية العربية، حتى ضمن البلدان التي تحتفظ بصداقات عريقة مع الغرب.

وبالتأكيد، كان الانقسام الأعظم هو ذلك الذي قسّم الوطن العربي، بين حلفاء للغرب، وآخرين حلفاء للشرق. وكانت له تأثيراته السلبية في التضامن العربي، ووحدة المواقف القومية تجاه القضايا المصيرية. وكانت مراكز النهضة العربية، هي الأكثر تضرراً من هذا الانقسام، الذي شملت إسقاطاته الجوانب السياسية والاقتصادية، وحتى الاجتماعية.

وبسقوط حائط برلين، في نهاية الثمانينات من القرن الماضي، وما تبعه من انهيار درامي للمعسكر الاشتراكي، برزت حقائق جديدة في السياسة الدولية، حيث لم يتبق في الساحة، من قطبي المعادلة الدولية المستندة إلى الثنائية القطبية، سوى ركن واحد، هو الركن الأمريكي.

ولأن التغيرات في توازنات القوة الدولية، وتتويج قوة متفردة في رسم السياسات الأممية لا تتحقق من غير حروب، كانت الحصة الأكبر في هذه الحروب، من نصيب الوطن العربي. وكان مختبر التتويج هو أرض السواد، حيث استثمرت الإدارة الأمريكية الغزو العراقي للكويت، لتضع حداً حاسماً لأي شك في تفردها على توجيه سدة السياسة الدولية.

وكان الرئيس جورج بوش الأب، واعياً لما يقوله، حين أكد في خطاب النصر، أن النصف الثاني من القرن العشرين كان أمريكياً بامتياز، وأن القرن الواحد والعشرين ينبغي أن يكون كذلك. لكن الأماني وحدها، غير كافية لتحقيق أحلام اليقظة. فلم يكن للهيمنة الأمريكية على العالم أن تستمر إلى أمد طويل، لكون ذلك يعتبر نشازاً في التاريخ.

واللافت للنظر أن هذا التمرد قد جاء من قلب «الناتو»، ومن دولة حليفة هي فرنسا، حين هددت عام 2003، باستخدام حق النقض «الفيتو»، ضد أي قرار من مجلس الأمن الدولي، يجيز لأمريكا احتلال العراق.

ورغم أن روسيا بدأت تلملم قوتها، وتعود رويداً رويداً إلى المسرح الدولي، لكنها في بداية هذا القرن، بدت عاجزة عن التنافس مع أمريكا. أما الصين الشعبية، فكانت منهمكة في بناء قوتها الاقتصادية، بشكل قلّ له نظير في التاريخ الإنساني. وقد بلغت تعاملاتها التجارية مع أمريكا في حينه ما يربو على 25 في المئة من تجارتها الخارجية، ولذلك لم تكن في وارد استفزاز اليانكي الأمريكي، وتعريض مصالحها للخطر. وهكذا تم احتلال العراق، بقليل من الاعتراض الدولي. لكن الفعل ذلك، نبّه الحكام والشعوب العربية، إلى مخاطر هذا التصرف، وإمكانية تمدده ليشمل بلداناً عربية أخرى، ما أسهم في خلق بيئة عربية شعبية ورسمية، رافضة للتمدد الأمريكي، على حساب المصالح، والأمن القومي العربيين.

ولم تمض سوى سنوات قليلة، حتى بدأ إعصار ما يسمى «الربيع العربي»، يأخذ مكانه، بدءاً من تونس، إلى مصر وليبيا وسوريا. وقد أسهم هذا «الربيع» في تغيّر نظم وابتلاع كيانات، ولا تزال آثاره السلبية ماثلة أمامنا حتى يومنا هذا.

ومباشرة، بعد الخمود الجزئي لإعصار «الربيع العربي» بدأت إدارة الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، تلعب دوراً أكثر فاعلية، في صناعة السياسة الدولية. وكان تدخلها العسكري في سوريا، أحد الأسباب التي أدت إلى هزيمة المنظمات الإرهابية على الأراضي السورية. وقد بدأت هذه الإدارة تلعب أدواراً كبيرة في المنطقة العربية، ودخلت عدداً من الأقطار العربية، التي لم يكن لها علاقات سابقة بالسوفييت، من بوابة تصدير السلاح، وتعميق العلاقات التجارية. وبنت علاقات جيدة مع دول الخليج العربي، في وضع أتاح لهذه الدول المزيد من حرية الحركة والقدرة على المناورة، في عالم يمور بالصراعات والتنافس.