آخر تحديث: 3 / 5 / 2024م - 3:50 م

قوة في عمق الألم

زاهر العبدالله *

قال تعالى ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [الروم: آية 41]

مقدمة:

المتأمل في واقع الحياة اليوم يجد نفسه أمام طوفان من المعارف والعلوم والتطور بالمقابل طوفان من الشهوات والملذات والرغبات ومشاريع التفاهة وانتشار الفساد الأخلاقي والقيمي، وفوق كل ذلك الحروب والصراعات التي تسفك فيها الدماء وتشرد فيها الإيماء والأطفال والكبار والصغار. فصار الإنسان في بحر متلاطم بين مختلف مصاعب الحياة. فيشعر الإنسان بغربة شديدة وبألم شديد لا يعرف أين مصيره وإلى ما ينتهي أمره وكيف يتعامل مع هذا الواقع المرير من جهة ويستفيد منه من جهة فالعاقل الحكيم من يخلق من عمق الألم الأمل وقوة التفوق، إذا أدرك إمكاناته وقدراته واستفادته من كل الإمكانات المتاحة في تطوير ذاته لخدمة دينه ووطنه ومجتمعه. وهنا سنقف على أبرز نقاط القوة التي يولدها الألم والحرمان الضعف والمرض والغربة والشهوات والرغبات على شكل نقاط.

1 - الألم والضعف والحرمان والضيق أمور إذا علم الإنسان كيف يستغلها بشكل جيد خرج منها قوياً من عدة نواح فإن إيمانه يزداد وعلمه يكثر وفكره ينضج وصلابته في المواقف تقوى. إن الله سبحانه وتعالى جعل الدنيا دار بلاء وامتحان فالمغرور من غرته والشقي من فتنته. نجد ذلك في قوله تعالى

﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ [العنكبوت: آية 2].

فمتى علم الإنسان هذه الحقيقة كان مدركاً لمن حوله قارئا ذكيا لما يدور حوله وبالتالي تكون عنده ملكة التصرف الحكيم الذي يملك أدوات الإصلاح في المرحلة التي يعيشها.

2 - لا يمكن أن يذوق الإنسان طعم السعادة ما لم يذق طعم الحزن. ولا يمكن أن يذوق طعم الراحة إذا لم يذق طعم التعب والكد والهم والغم. ولا يمكن أن يذوق الإنسان طعم الصحة إذا لم يذق ألم السقم في بدنه وهكذا فكل نعمه لا تدرك ولا يشعر الإنسان بأهميتها ما لم يُختبر بحرمانها منه فأعظم نعم الله سبحانه وكلها عظيمة ولكن ما يلامسها الإنسان الفطري هي الصحة والأمان والرزق.

3 - الألم يفتح آفاقاً إيمانية لمن يحسن الاستفادة منها. فهي فرصة لمراجعة النفس ومحاسبتها وإعادة حساباتها والاستيقاظ من الغفلة والتفكير في تغير الواقع الذي يعيشه ولكن كل ذلك مرهون بذات الإنسان نفسه كما قال تعالى ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ [الرعد: آية 11]

4 - الوصول إلى الدرجات العلا في الدين والدنيا إذا حول الإنسان الألم إلى التكامل المعرفي الديني والأخلاقي والقيمي والفكري فإذا رأى الفساد من حوله وأدرك فساده كان ادعى له أن يجتنبه ويدعو الناس لتركه وليس السكوت عنه. ثم وضع البرامج البديلة لتغييره وقد أشارت بعض الروايات لذلك كما في قول رسول الله ﷺ [ من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان] وروي عن سيد الموحدين علي [إذا رأى أحدكم المنكر ولم يستطع أن ينكره بيده ولسانه وأنكره بقلبه، وعلم الله صدق ذلك منه، فقد أنكره]

ميزان الحكمة - محمد الريشهري - ج 3 - الصفحة 1950.

5 - من أدرك عمق الألم أدرك قوة الله سبحانه وتعالى وقاهريته وهيمنته على كل خلقه. فهو الذي قهر عباده بالموت الفناء وهو الذي بيده ملكوت السماوات والأرض إذا أدرك ذلك بكل جوارحه وجوانحه وكل صور التجلي والتخلي يجد نفسه يزداد حباً لله وخشية منه وإيماناً به فتتوازن شخصيته ويرجح عقله ويزداد صلابة في إيمانه وثباتاً في موقفه. والحمد الله لله رب العالمين.