انكسار الورد
لا أعلم ما الذي أصاب قلبك الغض، وجعله يتوقف بهذه السرعة!
النبضات لم تعد تدق، الشرايين جمدت، وكل محاولات الإسعاف السريعة باءت بالفشل، وأعلن الرحيل، خبر وفاتك نشرته الصحف، وكل شيء انتهى.
لكن تبقى الصدمة أكبر من أن نستوعبها، حتى وإن كانت كل الدلالات واضحة، عاندت نفسي وحاولت الاتصال لكي أتأكد أن ما نشر يعود لرضا! فلربما كان تشابه أسماء لا أكثر.
نعم؛ هكذا كان الجواب، إنه ”رضا“، الخبر المفجع، الذي نحاول الهروب منه؛ لكن لا ملاذ، إنه الموت القاهر للجميع.
ولدي رضا؛ تعودنا أن نرى الورد فوق الأرض، لا منكسرا تحت التراب، أحينما بلغت عنفوان شبابك وذروة أحلامك باغتك القدر بضربته الساحقة؛ لينقلك لضفة أخرى، تنقطع فيها عن عالم الأحياء، وتترك وراءك أنهارا من اللوعة والحزن.
ولدي؛ كيف لي أن أدخل الجمعية اليوم ولا أسمع: أهلا خالتي، كان وقعها جميلا على قلبي، لم يناديني أحد بها قبلك، تقولها بحياء وابتسامة تزين وجهك المكسو بملامح الطيبة والتواضع.
أعضاء الجمعية الذين اعتادوا على وجهك ومحياك الودود، وتابعوا كيف تنمو يوما بعد يوم؟ أين سيبحثون عنك؟
لقد جسدت معاني الوفاء والانتماء لهذه المؤسسة، احتضنتك واحتضنتها، لهذا رحيلك كان قاسيا جدا!
وقع أقدامك ما زال وسيبقى يرن في زوايا المكان، مكتبك وحاسوبك ينعيانك، ينتظران بلهفة عودتك، أوراقك وأقلامك تئن حنينا لأصابع يديك الشغوفتين بالعمل. فلم تكن تكتفي بالإنجاز داخل الجمعية، حبك للعمل دفعك لحمله للمنزل أيضا في وقت لم تكن مرغما على ذلك؛ لكنه التفاني والعطاء بحب.
عزاؤنا لأسرتك الكريمة، فالابن يبقى واسطة العقد، شمعة الحياة، ربيع الأيام، بموته تتقطع شرايين الروح، ويبقى الداخل فارغا، أبو رضا قلبك اليوم يمر به شريط ذكريات ممتد، بكل لحظة عاشها معكم، مقتنياته أصبحت كأحجار الألماس تضمها في قلبك، حتى أكلته المفضلة ستذكرها كجزء مميز من تفاصيله اليومية.
الأخوة والأخوات، شوقكم لرضا أكبر من أن تصفه الكلمات، حبكم الجارف تعجز أمامه كل قصائد الشعراء، حتما سيبقى هناك جزء ناقص في جمعتكم، فقط هنا نحتاج للصبر، ولأن يكون فقيدنا معنا دوما في قلب الدعاء.
ويبقى هناك الجزء الغامض من القضية، تتوفر كل أسباب النجاة وتعمل كل الإسعافات في وقت قياسي؛ لكن يشاء الله أمرا آخر وتقبض الروح، ويبقى الرضا والتسليم هو سيد الموقف، فالله تعالى يختار لعباده الأصلح.
كم هي عميقة رسالة الموت، خاصة حينما تخطف منا شبابا في عمر الورد، إنها كإشارة المرور الحمراء تطلب منا الوقوف لنتأمل مجريات حياتنا، نراجع أين نقف نحن؟ وإلى أين سائرون؟
وكم حجم السلام الداخلي لدينا؟ وسلامنا مع من حولنا، هل نسعى لنترك جميلا في مجتمعاتنا؟ نخرج من ذواتنا؛ لنمارس عمق إنسانيتنا.