حجارة الزيتون!
من هَزَّ شجرة الزيتون وأسقط من غصونها قطوف الحجارة؟ من علَّم خضرتها الغضة كيف تبدو قانية بوجه الريح كجمرةٍ لا يبرد جوفها ولا يبرح رمادها مكانه؟
من بيت لحم انغرست أقدم شجرة للزيتون في فلسطين، منذ آلاف السنين وهي شامخة في ترابها الأصيل لم ترضخ يومًا لمحاولات الاقتلاع الغادرة، ولم تستسلم لحصار الجفاف، باذخة في تكيفها الفريد مع تلك التربة المعجونة من طينٍ لا يجف نزفه ولا تُفتح أبواب ينابيعه، لكنها تعرف جيدًا متى تثمر زيتونًا ومتى تستبدل الزيتون بالحجارة! نعم هي لم تغرس جذورها في الأرض فقط لكنها نبتت في يد كل طفل فلسطيني كما لو كانت وشمًا يذكره برائحته الخضراء الأصيلة ليعلن رفضه القاطع لكل من يحاول الاقتراب من حدود تلك الشجرة.
هكذا كان أطفال فلسطين قبل اتفاقية أوسلو وهكذا هم بعد مرور ثلاثين عامًا على توقيعها، لم يتغير شيئًا من صميم عشقهم لشجرتهم وقبضاتهم المليئة بالزيتون وبالحجارة، وهكذا كانوا قبل كل ذلك منذ عام النكبة «1948» وإعلان قيام دولة الكيان الصهيوني وما رافق ذلك من تهجير قسري، وتوسع استيطاني، وترسيم للحدود، ومجازر لا متناهية، إلا أن بوصلتهم لم تنحرف يومًا عن اتجاه قضيتها الوجودية؛ كل شهيد يهديهم روحه يكون إبنًا لجميع الأمهات وأخًا وتذكيرًا للعهد المحفور في أعناق جميع الشباب، وكل الأحياء تصبح حيًا واحدًا عندما تواجه بيوته تهديدات الطرد والإخلاء.
الفلسطينيون في الحقيقة لا يعترفون إلا باتفاقية واحدة عقدوها مع ضمائرهم للأبد وهي أن العودة حق أكثر من كونها حلمًا.
حتى شجرة الزيتون ما زالت مؤمنة بهذا الحق وما زالت تنتظر أبنائها ولم يعد زيتونها مجرد حجارة في وجه أعدائه، لقد كبرت تلك الشجرة إلى الحد الذي يجعلها اليوم قادرة على أن تمنح أبناء أرضها كل ملامح النضج والحضور الإقليمي العصي على التجاهل أو التجاوز، وهكذا ”كانت وستبقى فلسطين عربية“.