العنصرية الأمريكية ومقتل الطفل الفلسطيني
هل يعرف العنصري أنه كذلك؟ في نظري أن الأغلبية يستطيعون تمييز عنصريتهم ليس ذلك فحسب بل هم بارعون في تبريرها. كثيرًا ما يردد العنصريون جملة مثل «لو كانت محبتي لأصلي وفصلي وديني وطائفتي وخوفي عليه عنصرية، فأنا عنصري»، وهي جملة «أكليشية» يرددها أصحاب العقلية التبريرية المتخمون بالعنصرية الفجة، تبرير عنصري مغلف بالبطولة والتضحية.
حينما يقتل طفل طعنا في أمريكا في جريمة كراهية بسبب جنسيته الفلسطينية ودينه، على خلفية الحرب بين إسرائيل وحركة «حماس»، هنا ندرك أن مصيبتنا الحقيقية نحن البشر ليست في الخارج، بل هي متمركزة في دواخلنا في وعينا في مجهرنا الذي ننظر فيه إلى أنفسنا، كل إشراقتنا الروحية التي خلقنا بها الخالق تبارك وتعالى حجبناها بغرورنا وب «أنواتنا» المنتفخة، ذواتنا المزيفة أصبحت هويتنا التي نعتقد أن بعضنا أفضل من بعض بسبب لون أو جنس أو دين أو مذهب أو عرق.
هل يعقل أن يموت طفل عربي بسبب جنسيته ودينه وعمره 6 سنوات بهذه الطريقة الوحشية حيث تم طعنه ب 26 طعنة، ووالدته تصاب كذلك بجروح خطيرة؟ وعلى يد رجل عمره 71 سنة فما بالك بالشباب؟! هذه الجريمة تفتح الباب على مصراعيه لمناقشة الصراع وخطاب الكراهية والعنصرية.
واللافت أن تعليقاتنا وردود أفعالنا ما زالت تمارس الفعل ذاته، أي لم تخرج عن منطق التفوق على الآخر على طريقة هم ونحن. يقول بايدن «نحن كأمريكيين يجب علينا أن نتحد ونرفض الإسلاموفوبيا وجميع أشكال التعصب والكراهية لقد قلت مرارًا وتكرارًا أنني لن أصمت في وجه الكراهية، ولا يوجد مكان في أمريكا للكراهية ضد أي شخص».
في الحقيقة ليس غريبا ما حصل فتاريخ أمريكا يحكي لنا آلاف الحكايات عن موت البشر بسبب عنصرية اللون، تمامًا كما يموت غيرهم في كثير من بلدان العالم لأسباب عنصرية معجونة بالعنجهية البشرية ذاتها. ليس غريبًا على أمريكا وهي تتصدر نسبة العنف والجريمة وجرائم القتل الجماعي من بين الدول الغربية.
هل تتذكرون «جورج فلويد» لفظ أنفاسه الأخيرة بصورة بشعة تحت ركبة الشرطي الأمريكي الأبيض. وأنا أقرأ تعليق بايدن، قفز إلى ذهني الرئيس الأمريكي «أبراهم لينكولن» خاصة أنني زرت متحفه في أمريكا والذي استطاع أن يقسم أمريكا عندما كان حاكمًا بطريقة إنسانية، وسعيه الحثيث إلى إنهاء العبودية، كانت قاعدته الأصيلة أن البشر ولدوا أحرارًا، ولكن هناك من قاومه في كثير من الولايات وحاجتهم الماسة للعبودية.
هذه الحادثة القميئة انتهكت الحق في الحياة بسلام وانتهكت حقوق الطفل وحقوق المرأة. اللافت أن أمريكا بقيادة وزارة خارجيتها تصدر سنويا تقريرًا حول أوضاع حقوق الإنسان في كثير من دول العالم. حيث ترسم صورة سوداء قاتمة عن الوضع الحقوقي في كثير من الدول، وهو تقرير لا يعتبره المختصون في مسائل حقوق الإنسان تقريرًا دقيقًا بل هو تقرير يعد الأضعف من ناحية الجودة في المضمون والشكل، وكذلك من ناحية الإجراءات بمعنى لا يترتب عليه أي أثر، وبالتالي لا يعد تقريرًا ذا قيمة.
أمريكا تتحدث كثيرًا عن احترام حقوق الإنسان، وفي الوقت ذاته ترتكب الانتهاك تلو الآخر في بلاد العالم المختلفة، من سجن جوانتانامو إلى باجرام إلى بوغريب، إلى الطفل الفلسطيني فلماذا هذه الازدواجية؟! تتحدث كثيرًا عن احترام حقوق الإنسان، وفي الوقت ذاته ترتكب الانتهاك تلو الآخر في العالم، من جوانتانامو إلى باجرام إلى بوغريب، فلماذا هذه الازدواجية؟!