الحجة المصلي العالم
ربما يتصور البعض أن العنوان فيه شيء من المبالغة من جهة، والاستغراب من وصفي له بالعالم، من شخص ربما يكون بعيداً عن العلم التخصصي من جهة أخرى، ولكني غير مجانب للصواب، حين اخترت ذلك العنوان لانطباقه الكبير على الفقيد العزيز العلم والحجة الشيخ مهدي المصلي.
فمن المعلوم أن الفوز الحقيقي في هذه الدنيا أن يخرج منها الإنسان وهو طاهر القلب يمثل الصفحة البيضاء خلال هذه السنوات التي عاشها متدرجاً إلى معارج الكمال إلى أن يختاره الله إلى جواره، بل إن أمثال سماحة الشيخ مهدي رحمهم الله الذين أفنوا أعمارهم في طلب العلم، كان هدفهم ليصبحوا مصداقاً للآية الكريمة ﴿إنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾، وهي غاية كبيرة قد يخفق الكثير ممن يسلك مسالك العلم فيها؛ فتزل قدمه بعد ثبوتها وهي لعمري الطامة الكبرى.
فشيخنا المرحوم ترقى في مدارج العلم وتميز، حتى حصل على المراتب العالية في مراحل الحوزة العلمية عبر حصوله على إجازة الفقاهة من مراجع مرموقين؛ كالمرجع الأعلى للطائفة الشيخ علي الغروي قدس سره والمرجع الأعلى السيد أبو القاسم الكوكبي قدس سره والمرجع الكبير المعاصر الشيخ بشير النجفي دامت أيام بركاته.
ولن أتعرض في هذه العجالة إلى تسلسله العلمي والتعريف الذي يكتب عن العالم؛ لأنه ربما هناك من هم أهل وأفضل وأقرب، ولعل تلامذته تنبري لكتابة مثل ذلك، ولكني بحكم العلاقة الممتدة أرغب أن أسجل بعض المميزات التي كانت له، ولعلها تكون دروساً عملية لمن هم سائرون على نهجه.
ومن تلك الصفات الحميدة التي تحلى بها إضافة للعلم الذي هو أس الارتقاء والقرب الإلهي، كون العالم هو أكثر من يخشى الله، لذا لعلي أوفق لسرد بعض تلك الموائز التي تحلى بها:
إن من المعلوم أن العبادة تفضي بالإنسان ليكون مخلصاً للدين، وقد عرف ذلك الإخلاص المتفاني من خلال سيرته العطرة.
فالشيخ من مصاديق العلماء البارزين، وشهادة وثقة الفقهاء واضحة له، وبهذا العلم الذي امتزج به أصبح عاملاً لخدمة دينه، فقام بنشر المعارف الإلهية، ودفاعه الدائم عن المذهب الحق من خلال كتاباته التخصصية في رد الشبهات ككتابه ”الحصون المنيعة“ وهو عبارة عن إجابة تساؤلات لكتاب ”أسئلة قادت شباب الشيعة“ إلا مصداقاً لذلك العمل الذي أجاب العلم.
وهما صفتان متلازمتان لكل عالم حقيقي، وتجد ذلك جلياً في سيرته الطويلة من العطاء القصيرة من العمر عبر تقديره للعلماء والتورع عن الشبهات، وذلك ناشئ من خوف الزلة باعتبار أن الحكم على الآخرين والدخول في النوايا من الأمور التي يصعب الحكم عليها، وما إن تصاحبه تجد ذلك جلياً في حياته، وقد حدثت أيام محنة المرجعية قضية أنأى عن ذكرها، لكنني كنت طرفاً فيها وقد تحدثت معه في أمرها، فكان جوابه الحكيم بالنأي عن الدخول في مثل هذه القضايا.
وهما كمالان إذا لم يتحلَّ بهما العالم فسينزلق ويتيه، وكون هاتين الصفتين من صفات العقلاء، وبالتالي يمتنع الدخول والخوض في أتفه الأمور والنزاعات والخلافات بين أفراد المجتمع.
فشيخنا قدس سره عرف عنه - في زمن قلَّ فيه الإنصاف - أنه ممن ينصف غيره؛ فلا يبالغ في النقد، بل سيرته العطرة هي تحجيم القضايا والالتزام بالوسطية، وهو دأب العالم الرباني الذي تراه جلياً في شيخنا المرحوم
هذه الصفة التي كانت أعظم وصف لرسول الله ﷺ من رب العالمين، وهي في الواقع ثمرة مجاهدة النفس، ورياضة المتعبدين، وحسن الخلق هو ما يجده القاصي والداني في سلوكه وخلقه وتواضعه رحمه الله؛ فما أن تقبل عليه إلا وكان محياه الباسم هو ما يستقبلك به، ونظراته الحانية على جلسائه ومريديه، وتواضعه مع أفراد المجتمع، ولا سيما توقيره لكبار السن.
وهي ضالة المؤمن بوضع الشيء في موضعه «وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا»، لذا نجده غير متعجل، ولديه بُعد النظر الذي يغيب عن الكثير حتى من أقرانه فهجرته للمدينة المنورة، وخدمة المؤمنين هناك، وفتح بابه للجميع بحيث تجد القبول له من أهلها، رغم وجود جملة من طلبة العلوم الدينية من المدنيين، وقبوله بتدريس حتى المقدمات من الكتب الدراسية ناجم عن حكمة كبيرة، فالبعض من الصعب عليه قبول ذلك حين وصوله لمستوى عالٍ من التعليم.
من الأمراض التي قد يبتلى بها طلاب العلوم الدينية، وهي دخولهم في الانتماءات الحزبية أو الفئوية أو يعيشون مستوى من التزلف لأهل الدنيا بأشكالها المختلفة، وهو رحمه الله في هذه الخصلة المذمومة نجده بعيداً كل البعد عنها، فلا تجده ممن يبحث عن مجالسة ذوي النفوذ من أصحاب المناصب وأضرابهم من أهل الدنيا، أو الانتماءات التي تأخذ من طاقة طالب العلم، وربما انحرف عن دوره المطلوب منه.
فقد كرس حياته في طلب علوم المعقول والمنقول، كما اشتهر عنه اطلاعه على بعض العلوم القديمة من الطب النبوي، ونشره المعارف الإلهية وخدمة الدين برد الشبهات، ونشر الكتب التخصصية العلمية، واتخاذه دوراً بارزاً عبر حكمته العالية من خلال التبليغ ونشر الدين.
ففقده يعد خسارة للحوزة العلمية والمجتمع المتدين الذي أثر فيه من خلال عطائه الكبير بعلمه وعمله الدؤوب.
أسأل الله أن يعوضنا بعالم مثله يسد مكانه، وأن يوفق المشتغلين بالعلم أن يقتفوا أثره.
وأسأله أن يحشره مع النبي والصديقة الطاهرة وأئمة أهل البيت الذين كرس جل حياته في خدمة دينهم الحنيف.
وإنا لله وإنا إليه راجعون
بعض نتاجه العلمي: من يرغب الحصول عليها يجدها في قناة التلغرام المعنونة بـ ”مؤلفات الشيخ مهدي المصلي“
1- الأصول النقية.
2- الحصون المنيعة.
3- القواعد الأصولية.
4- القواعد الفقهية.
5- أوضح الأمالي.
6- حقيقة الروح.
7- فروع العلم الإجمالي.
8- لله ثم للتاريخ.
9- القواعد الرجالية.
10- هداية الناسك بجزئيه.
11- الخيارات.
12- الشروط والخيارات.