آخر تحديث: 24 / 11 / 2024م - 10:30 ص

”الفخ“

علي العبكري

بعد أخذ ورد وشد وجذب واقتراح يتلوه آخر تتفق العائلة أخيرًا بعد أن كادت أن لا تتفق على موعدٍ للخروج إلى استراحة عطلة نهاية الأسبوع، أخذ الموضوع أسابيع من المشاورات وكثيرًا من الآراء فما بين انشغال أحدهم وتعذر آخر وتعليل أخرى بالأجواء الغير المناسبة، بشراكم لقد اتفقوا.

بطلنا كان لا يريد الذهاب، فمن وجهة نظره أن متعة إجازة نهاية الأسبوع تكمن في أخذ راحته في النوم بدون إزعاج المنبه فالاسترسال في النوم متعة يحرم منها الموظف طوال الأسبوع وهو منهم، غير أن إلحاح صغاره من جهة وكون الرحلة على بند ميم ميم ”محمولًا مكفولاً“ شجعه على ذلك والتاريخ يشير إلى آخر الشهر.

”الجمعة الساعة السابعة صباحًا“

ينطلق ابن وابنة بطلنا نحو غرفة صاحبنا لإيقاظه، يفتح عينه وينظر الساعة، ويخاطب نفسه ما هذا إنه قبل أن يباشر دوامه في الأيام العادية.

ينهض بعد التي واللتيا بعد تقريع ابنه بأن الجميع سبقنا.

يصعد خلف مقود سيارته وعيناه ثلاثة أرباع مغلقة وراء نظارته الطبية السميكة، يدير المحرك وتنطلق السيارة بتثاقل، يدخل ما بين المزارع وشوارعها الضيقة جهة بعد جهة، وبعد مدة غير قصيرة يدرك أنه تاه ولم ينفعه الاستعانة بصديق.

غدر به صديقه الجي بي اس استنتج ذلك بعد أن أعادته تلك التقنية لنفس الشارع مرارًا وتكرارا، ولم تفلح محاولته للوصول إلا بعد أن عاد للشارع العام وخرج له أحد أقاربه فاتبعه.

يصل للاستراحة قبيل أذان الظهر، وضع الإفطار أمامه وكان قد برد وهذه مصيبة عنده، وتناول منه قليلًا فوجده مالحًا وتلك أخرى، ينتهي من إفطاره حامدًا الله في العلن لاعنًا اليوم الذي وافق فيه على الخروج معهم سرا.

يدير عينيه في الجالسين معه، فيجدهم قد انقسموا إلى فريقين الأول يلعب الورقة والثاني مسك كل واحد منهم جهازه المحمول وكلا الفريقين مستغرقين فيما هم فيه غير مكترثين بوجوده، بل شك في قرارة نفسه أنهم يلحظونه أصلا.

حاول مرة بعد أخرى فتح حديث مع أحدهم ولكنه فشل، وعندما استولى الفشل عليه أطلق ساقيه يتمشى في أنحاء الاستراحة، فصدم أنها أقل من عادية، ملعب الكرة يصلح لكل شيء إلا لعب الكرة، النافورة بدل إخراج الماء تخرج مادة صفراء فاقع لونها، أما الأشجار والعشب فغير مهتم بهم بتاتًا ناهيك عن الذباب والبعوض المنتشر في كل مكان.

لم يبق له عزاء بعد هذا كله غير المسبح، فذهب ليراه فلم يسره ما رأى، مسبح صغير الحجم مقارنة بأعداد العائلة، ماء راكد لا يجري وانتشر على بعض جهاته بعض الذباب الفاقد للوعي، فلعن الساعة التي وافق مرة أخرى،

لبس ملابس السباحة ونزل ليسبح وبمجرد استوائه في الماء قذف أحد الأطفال الكرة بقوة، واستقرت في عينه اليمنى، لم يستقر به الحال وأخذت عينه تدمع وأصيب بارتجاج في الرؤيا، فخرج من المسبح وعند نزوله من الدرج تزحلق وهوى من فوقه لأسفله فضحك الصبية ضحكة مجلجلة.

عاد للجلوس وضغطه قد ارتفع وحان موعد الغداء، وإذا بزوجته تتصل وتخبره بأنها لا تملك فكة للنقود وأن عليه الدفع، ولا أستطيع أن أصف لكم حاله بعد سماعه ذلك.

جاء العصر وعينه قد بدا فيها التورم والتدمع، وللتسلية أخذ يستمع للتلفاز دون المشاهدة حتى جاء وقت العشاء، وقد اقترب منه ابنه هامسًا له بأن أمه قد نسيت محفظتها في المنزل، وأن عليه دون غيره دفع المبلغ، فأيقن حينها وعيناه تفيض من الدمع بأنه وقع في الفخ.