بين الكسر والعصر
يقال: ضع قليلاً من قلبك على عقلك ليلين، وضع قليلاً من عقلك على قلبك ليستقيم. ويشير القلب هنا للجانب العاطفي وهو الأحاسيس، والمشاعر ورغبات الروح، ويشير العقل إلى الجانب المنطقي وهو القدرة على التفكير النقدي وتحليل الأمور بموضوعية، ثم اتخاذ القرارات بناء على المعطيات، والمعرفة والمنطق. ويقصد بالجملة السابقة أن نضع قليلاً من العاطفة على العقل المنطقي ليلين قليلاً ويتخذ طابعاً إنسانيّاً في قرارته، وأن نضع قليلاً من العقل والمنطق على العاطفة ورغبات الروح كي لا تجرفنا فنتخذ قرارات لا منطق فيها ومن الممكن أن تؤدي لعواقب وخيمة. تستوجب الوسطية والاعتدال أيضاً التوازن بين احتياجات الجسد ورغبات الروح كي لا تهيمن واحدة على الإنسان وتطغى على الأخرى فتقلب حياته رأساً على عقب.
- وكما أن تحقيق التوازن والاعتدال بين العقل، والقلب، والجسد والروح مهم جدّاً، إلا أن الأهم أن يصبح الاعتدال قانوناً حياتيّاً يكون فيه الإنسان في جهاد مستمر لتحقيق التوازن والاعتدال في جميع جوانب حياته. وقد وصفته بالجهاد لأنه عادة ما يكون تحقيق التوازن والاعتدال صعباً على الإنسان؛ فغالباً ما تميل النفس البشرية للتطرف.
- أيضاً مما نتناقله دائماً المقولة الناضحة بالحكمة: «لا تكن قاسياً فتكسر ولا ليناً فتعصر»، وهي مقولة تعتبر قانوناً سلوكيّاً يدعو للوسطية وصالحاً لكل زمان ومكان. تشير المقولة إلى أهمية تحقيق التوازن في التعامل مع الآخرين، فلا يصبح الإنسان قاسياً قسوة تؤدي لكسره وتحطيمه وكسر علاقاته مع من حوله. قال تعالى: «فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظّاً غليظ القلب لانفضوا من حولك» آل عمران 159. ولا يكن ليناً جدّاً في تعامله معهم لدرجة تجعل منه هدفاً سهلاً لاستغلاله فيعصرونه.
- قال تعالى: «وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا» القصص77. تدل الآية الكريمة على أهمية الاعتدال وتحقيق التوازن في الحياة. فكما أن الإنسان مُطالب بالعبادة، فهو مُطالب بالعمل والسعي لكسب الرزق، ومُطالب أيضاً بالاهتمام بنفسه: «إن لبدنك عليك حقّاً».
- أيضاً لقد نشأنا على القاعدة الشرعية المعروفة في الدين الإسلامي والتي تدعو للوسطية والاعتدال «لا إفراط ولا تفريط» التي تنهى عن «الإفراط» أي التكلف والغلو، و» التفريط» أي التمرد والتهاون بحدود الله.
- إذاً هو الاعتدال والاتزان بين العمل والمتعة، وبين الجد والمرح، وبين الشدة واللين، وبين العاطفة والعقل، وبين رغبات الروح واحتياجات الجسد، وبين الدين والدنيا.
أنه الاعتدال والاتزان في كل نواحي الحياة.