مفاهيم اجتماعية
تفرض المفاهيم الاجتماعية واقعا ثقافيا، على الكثير من أفراد المجتمع، بحيث تصبح تلك المفاهيم محركا فاعلا في الممارسات الحياتية، مما يجعلها أكثر قدرة على التأثير على السلوك الفردي، والخطاب الثقافي، نظرا لوجود مجموعة قناعات فرضت نفسها، كواقع أساسي في الكيان الاجتماعي، الأمر الذي يخلق حالة من التوتر الداخلي والسلوك الخارجي، انطلاقا من ردود الأفعال الناجمة عن تجاوز تلك المفاهيم، من لدن بعض الفئات الاجتماعية.
النظرة إلى المفاهيم الاجتماعية، تختلف باختلاف التعاطي الثقافي لدى الأفراد، ففي الوقت الذي ينظر البعض إلى المفاهيم الاجتماعية بطريقة إيجابية، نظرا لقدرتها على تقويم بعض السلوكيات الخارجية، ورفد الخطاب الثقافي بالشحنات الإيجابية، فإن البعض الآخر ينظر إلى المفاهيم الاجتماعية كاجتهادات بشرية، مما يستدعي تطويرها باستمرار، لمواكبة المستجدات على الصعيد الفكري والثقافي، وبالتالي فإن عملية التعاطي مع المفاهيم الاجتماعية، تتطلب التحرك بطريقة متوازنة بعيدا عن التطرف - حسب أصحاب هذه النظرة -، باعتبارها قناعات بشرية قابلة للتحول، عطفا على التطور الإنساني، في مختلف المجالات الاجتماعية والحياتية.
الوقوف خلف المفاهيم الاجتماعية، يستدعي النظرة المتوازنة والعقلانية، بحيث تضع في الاعتبار بعض التحولات الاجتماعية المتسارعة، وكذلك التطور الإنساني في مختلف المجالات، مما يستدعي التحرك بالاتجاه المتوازن بعيدا عن التطرف بمختلف أشكالها، بمعنى آخر، فإن الموقف السلبي تجاه المفاهيم الاجتماعية، لا يلغي دورها في إحداث نوع من الاستقرار الداخلي، نظرا لقدرة تلك المفاهيم على صياغة المستوى الثقافي لدى الأفراد، بالإضافة لذلك، فإن الموقف الداعم للمفاهيم الاجتماعية، لا يعني الوقوف في وجه التطور على مختلف المجالات، فهناك الكثير من المفاهيم لم تعد قادرة على مواكبة العصر، مما يستدعي إعادة النظر، والعمل على صياغتها بطريقة مختلفة تماما، للحصول على النتائج الإيجابية من جانب، وعدم إدارة الظهر بشكل كامل، لتلك المفاهيم الاجتماعية المتوارثة منذ عقود طويلة من جانب آخر.
عملية التحرك المتوازن للتعاطي الواعي مع المفاهيم الاجتماعية، مرتبطة بطريقة التفكير لدى البيئة الاجتماعية من جانب، والقدرة على إحداث تحولات جوهرية قادرة على النهوض، ومسايرة الواقع الجديد من جانب آخر، ومن ثم فإن التحرك العقلاني أكثر قدرة على وضع الأمور في المكان المناسب، بحيث تصبح مقبولة لدى مختلف الأطراف، نظرا لوجود اختلافات واضحة تجاه النظرة للمفاهيم الاجتماعية، مما يستدعي إمساك العصا من الوسط، للحفاظ على المفاهيم المنسجمة مع القيم الأخلاقية، ومحاولة تقليم بعض المفاهيم غير المنسجمة مع التفكير العقلاني، خصوصا وأن بعض المفاهيم الاجتماعية تكرست في العقل الجمعي، جراء بعض الممارسات الحياتية، مما جعلها واقعا ملموسا في التعاطي اليومي، وبالتالي فإن العملية تتطلب تحركات جادة، لوضع القناعات الجديدة في المكان المناسب، بعيدا عن التحركات المتهورة الساعية، لنسف الكثير من المفاهيم الاجتماعية، ذات الأثر الكبير على الوعي الثقافي في المجتمع.
إيجاد الآليات المناسبة، لمعالجة المفاهيم الاجتماعية بالطريقة السليمة، عنصر أساسي للحصول على التأييد من لدن العقل الجمعي، فالتخبط والعشوائية لا تجلب سوى الخراب والصراع الداخلي، جراء إصرار كل طرف على مواقفه السابقة، ومن ثم فإن التحركات الساعية لتقريب وجهات النظر، أكثر قبولا من مختلف الأطراف، انطلاقا من الحفاظ على مصالح كافة الجهات، مما يسهم في الحصول على مباركة الجميع، فعملية البحث عن الآليات المناسبة تكشف مستوى الوعي الاجتماعي من جانب، والحرص على خلق الإجماع الاجتماعي من جانب آخر، مما يعكس حالة من الانسجام، والالتفاف حول المفاهيم الاجتماعية.
المفاهيم الاجتماعية تمثل مصدر اعتزاز وإجماع، لدى العديد من الفئات الاجتماعية، بمجرد استجابتها إلى الواقع المعاصر، والعمل على تطويرها بشكل مستمر، بعيدا عن الجمود والرفض التام للدعوات الصادقة، لتوظيفها بالشكل المطلوب، لا سيما وأن المفاهيم الاجتماعية لا تقتصر على بعض القناعات الجامدة، ولكنها تعكس المستوى الثقافي لدى المجتمع، وبالتالي فإن المنظومة الأخلاقية، والمفردات الثقافية، تشكل جزءا من المفاهيم الاجتماعية السائدة.