نحو إصلاح هيكلي للأمم المتحدة
بات من المألوف هذه الأيام الحديث عن ضرورة إحداث إصلاح جذري في هيكلة الأمم المتحدة. ورغم تعدد النداءات المطالبة بتحقيق هذا الإصلاح، لكن غاياتها ليست متجانسة. فهناك فرق، على سبيل المثال، بين دعوة الرئيس الرئيس الأمريكي جوزيف بايدن، وبين غريمه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وهناك خلاف حول الدعوتين، حين يتعلق الأمر بدول العالم الثالث، كالبرازيل وجنوب إفريقيا وبعض الحكومات العربية.
وليس من شك، في أن اختلاف الغايات، يترتب عليه اختلاف في الرؤية لتحقيق الإصلاح، بما يجعل تلك المطالبات محكومة بالمصالح الخاصة، وأحياناً بتوازنات القوى الدولية.
تأسست الأمم المتحدة، عام 1945، ليتماهى تشكيلها مع نتائج الحرب العالمية الثانية، وقد جاءت على أنقاض عصبة الأمم التي تأسست بعد الحرب العالمية الأولى، عاكسة نتائجها. وحدد ميثاق الأمم المتحدة هدف تأسيسها في المحافظة على السلم والأمن الدوليين، عن طريق اتخاذ تدابير جماعية فعّالة لمنع، وإزالة الأخطار التي تهدد السلام، وتنمية العلاقات الودية بين الدول على أساس احترام مبدأ المساواة في الحقوق، وتقرير المصير للشعوب، وتعزيز احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية للجميع من دون تمييز، بسبب العرق، أو الجنس، أو اللغة، أو الدين. واعتبرت الأمم المتحدة مركزاً لتنسيق أعمال الدول في سبيل تحقيق الغايات التي أشار إليها الميثاق.
وقد تشكل مجلس الأمن الدولي، بخمسة أعضاء دائمين، هم: الصين وفرنسا وبريطانيا وروسيا والولايات المتحدة، وعشرة أعضاء من مختلف دول العالم، يتناوبون في الوصول لعضوية المجلس الذي هو بمثابة الهيئة التنفيذية للأمم المتحدة. وتملك الدول الخمس الدائمة حق النقض لقرارات مجلس الأمن. ويعد المجلس مسؤولاً عن حفظ السلام والأمن الدوليين طبقاً للفصل السابع، من ميثاق الأمم المتحدة. ويفترض أن يكون للمجلس سلطة قانونية على حكومات الدول الأعضاء، ولذلك تعتبر قراراته ملزمة. وتشمل سلطاته عملية حفظ السلام وفرض عقوبات دولية، والسماح بتنفيذ أعمال عسكرية.
لكن كل هذه المهام التي أشرنا لها، سواء لهيئة الأمم المتحدة، أو لمجلس الأمن، هي في الأغلب محكومة بتوافق الأعضاء الدائمين، ضمن واقع الحال هو الاستثناء بسبب تعدد المسارب والأهداف، وأيضاً وجود توازنات دولية داخل المجلس تحول دون تحقيق الإجماع.
وأول ما يلاحظ على مجلس الأمن الدولي، أنه كان نتاج الحرب العالمية الثانية، وأن الثقل الغربي فيه يبز ثقل الشرق. ففرنسا وبريطانيا، العضوان الدائمان بمجلس الأمن لم يملكا، بعد الحرب الكونية الثانية، ما يؤهلهما للعضوية الدائمة في المجلس. فالأولى ألحقت بها الهزيمة، وتم احتلالها من قبل الألمان، والثانية خرجت من الحرب، منهكة في اقتصاداتها وقوتها العسكرية. ولم يشفع لهما في عضوية المجلس سوى تبعيتهما للولايات المتحدة.
والصين كانت أثناء سيطرة شان كاي شك، على البر الصيني، في عداد حلفاء الغرب، وبقي المقعد ضمن حصة الصين الوطنية «تايوان»، وبعد قيام النظام الشيوعي في الصين لم تتمكن الصين الشعبية من حيازة موقعها الدائم في المجلس إلا عام 1971، بعد قيام مستشار الرئيس الأمريكي هنري كيسنجر، في أواخر الستينات بزيارة للصين الشعبية فيما عرف بزيارة «لعبة البينغ بونغ»، وحصول التقارب الأمريكي معها. وكان الهدف الأمريكي، من التقارب مع النظام الشيوعي في الصين، هو تعزيز الصراع العقائدي الدائر آنذاك، بين الصين الشعبية والاتحاد السوفييتي.
ما نستخلصه من هذه القراءة، هو أن العضوية الدائمة لمجلس الأمن الدولي، كما حصلت، جاءت على حساب الاتحاد السوفييتي، الذي لم يكن يملك سوى مقعد واحد في حين كانت الولايات المتحدة، تملك بقية المقاعد. ولذلك رأينا الاتحاد السوفييتي يركز أكثر، على هيئة الأمم المتحدة، التي كانت أغلبية أعضائها من دول العالم الثالث، والتي كانت بمثابة منبر خطابي، وليس أكثر، للشعوب المقهورة.
المطالبات بتغيير هيكلية مجلس الأمن الدولي، تبدو غاية في الوجاهة، وهي إن حدثت ستكون تصحيح لخطأ تاريخي، وهي أيضاً استجابة لتحولات كبرى حدثت في العقود الأخيرة، في توازنات القوى الدولية. فهناك دول باتت في قوتها الاقتصادية والبشرية تبزّ قوة فرنسا وبريطانيا، كالهند والبرازيل. إضافة لدول إفريقية بكثافة سكانية عالية وقوة اقتصادية لا يستهان بها، كجنوب إفريقيا ومصر والجزائر. وبعضها باتت تطالب بحضور دائم في مجلس الأمن. لكن المسألة ليست في مشروعية هذه المطالب، أو عدم مشروعيتها، بل في مستوى قدرة هذه الدول على فرض تطلعاتها، في عالم ليس فيه مكان إلا للغة القوة، مكان لا تحكمه روح العدل ولا قوة القانون.