اطردوا الجن من أجهزتنا الذكية
انتشر قبل أيام مقطعان تم تداولهما في منصة التواصل الاجتماعي «إكس» الأول بعنوان «رجل يوثق أصواتًا مُخيفة بجانب مزرعته في البر» والمقطع الآخر لقطة سوداء وعنوانها «لوجيت وقلت لك إني شفت قطة سوداء ماسكة بعير بالحبل بتصدقني؟». المهم المقطعان حازا تعليقات عدة. بدأ النقاش والحوار حول الجن والليل، التلبس والمقابر وغيرها وكأنهم يتحدثون عن فيلم رعب من أفلام هوليوود. وهنا قفزت إلى ذهني القصة التي حدثت قبل أكثر من عقد عندما قرر مجموعة من الشباب السعوديين في ثلاث مدن سعودية وفي وقت واحد أن يتجهوا نحو أماكن قديمة اشتُهرت بأن الجن يحتلها، أشهرها مستشفى مهجور في الرياض. وحمل بعضهم الكاميرات كي يصوروا الجن، وقد ساعد فيسبوك وتويتر وبلاك بيري في تلك الأيام على تواصل بعضهم مع بعض. المهم اتصل الجيران بالدفاع المدني الذي جاء بفرقه وطردهم قبل أن يطردوا الجن.
في الحقيقة نحن أمام معادلة ذات تناسب عكسي تقول إنه كلما زاد العلم قلت الخرافة، وشعوب العالم اليوم وبفضل التقدم والتطور العلمي والثقافي، استطاعت التخلص من الخرافة؛ وشعوب أخرى ما زالت فيها هذه الثقافة تسكن عقول الكثيرين. تعالوا معي لبعض الأمثلة: دورات المياه مليئة بالجن، وينصح دائمًا بعدم سكب الماء الساخن في زوايا الحمام ولا نعرف السبب لماذا الماء الساخن؟ ولماذا استقرار الجن في زاوية الحمام وليس في مقدمته أو المؤخرة؟، كثيرًا ما نسمع بأن الجن كل همهم «خراب البيوت»، فتجدهم يتلبسون المرأة المتزوجة تارة والمرأة غير المتزوجة تارة أخرى، فتجدهم دائمًا يعيشون حالة العشق والغرام!، وهناك من يتحدث بأن الجن لهم أديان وجنسيات وثقافات مختلفة، فتجد الجني المسلم والمسيحي واليهودي والبوذي، وكذلك الجني السعودي والمصري والهندي والإيراني والصيني والجني الملتزم والمتطرف والليبرالي!
أحد الأطباء النفسيين في كندا تحدث معي عن حالة حصلت معه هناك بأن رجلا جاء إليه يسمع أصوات شخص يتحدث معه، الطبيب فحصه وكانت نتيجة فحصه بأنه ليس مريضًا نفسيًا وكتب أنه يجب أن يراجع عيادات أخرى غير عيادة الطب النفسي. إدارة المستشفى استدعت الطبيب النفسي عن نتيجة فحصه وذكر لهم بأني طبيب أفهم ما أقول، وبعد فترة وإذا بالمريض حصلت معه جلطات في دماغه أثرت في أعصابه وبدا له بالفعل أنه يسمع أصوات شخص معه، طبعًا هذه الحالة لو كانت عندنا لتم تشخيصه من قبل أهله بأنه ممسوس من الجن وعليه يجب أن يذهب فورًا للرقاة. الطبيب نفسه ذكر لي أن سيدة خمسينية جاءت له تعاني من اكتئاب، وإذا بها وأثناء حديثها ينقلب صوتها إلى فتاة صغيرة بعمر السابعة عشرة وربما الثامنة عشرة، وبعد فحصها وجدها بأنه مريضة نفسيا تعاني من مرض نفسي له انعكاسات بيولوجية يمكن أن يغير صوتها، ويذكر لي أنه حتى الرجل يمكن أن يتحول صوته لأنثى، إنه مرض نفسي وليس جنية راكبته! قد يقول أحدهم إن الجن موجود، وقد ورد ذكره في القرآن الكريم، بل هناك سورة تحمل اسم الجن؛ نعم، لكن غير الموجود هو تحديد ماهيته وكيفية تشكله وظهوره. إذن المطلوب منا بكل بساطة أن نؤمن بالجن كموجود ثابت كما جاء في ديننا، دون الدخول في حيثيات التشكل والظهور العيني تمامًا كما نؤمن بوجود الروح التي هي حالة ربانية ما ورائية صرفة، وغير خاضعة للعقلنة والتحليل والتفكير. أخيرًا أقول: قصص الجن التي تنتشر في وسائل التواصل الاجتماعي تكرس في واقعها تعليم الجهل، أما زيارة الطبيب النفسي فهو لا يعني ضعف الإيمان بالله، ولكن زيارة تجار الوهم والخرافة تعني حتمًا ضعف العقل.