لماذا التشدد في الغياب؟
شددت وزارة التعليم قبل أيام - ممثلة بإدارات إحدى المناطق - على ضرورة مساءلة ومحاسبة منسوبيها المقصرين، في تطبيق الأنظمة واللوائح والإجراءات، الخاصة بالانضباط المدرسي. وطالبت بتسجيل غياب الطلبة في نظام نور وتثبيته يوميًا، وحصر غياب الطلبة والتأخر الصباحي بداية الحصة الأولى يوميًا في سجل خاص بذلك ومن التدابير حصول المدرسة على توقيع الطلبة وأولياء أمورهم على عقد الالتزام، وذلك للمرحلة الابتدائية، ونموذج للتعاقد السلوكي للمرحلتين «المتوسطة - الثانوية» والاحتفاظ به في ملف خاص لدى وكيل أو وكالة شؤون الطلبة. السؤال: لماذا أصبحت وزارة التعليم تتشدد في مسألة الغياب؟ هل بهذه الإجراءات الصارمة سيعشق الطالب المدرسة؟
هذه الإجراءات جيدة لولي الأمر الذي لا يكترث لحضور ابنه للمدرسة؟ فهي تعالج شريحة وفئة معينة، لكنها لا تعالج ظاهرة الغياب من جذورها؟ لدرجة أن إحدى الصحف المحلية تسرعت قبل أسابيع بنشر خير غير صحيح بأن غياب الطالب 20 يومًا عن الدراسة بدون عذر، يحيل ولي أمره إلى النيابة العامة لتتولى التحقيق معه بموجب نظام حماية الطفل. إلا أن وزارة الموارد البشرية علقت بأنه لا صحة لهذا الخبر وأن نظام حماية الطفل لا يتضمن أي تصريح بسجن ولي الأمر بسبب غياب ابنه عن المدرسة. أعتقد أن وزارة التعليم أصبحت تتشدد في مسألة الغياب لأنها أصبحت أشبه بالظاهرة في السنوات الماضية والتي تم فيها إقرار الفصول الثلاثة، وصار الغياب الجماعي واضحًا بدرجة لافتة، خاصةً في ظل استخدام مجموعات الواتساب والتليجرام بين الطلاب. السؤال الأهم: ماذا إذا حضر الطلاب وخفت ظاهرة الغياب هل سيؤثر ذلك في وجودنا بالتصنيفات العالمية؟ خاصة أن نتائج طلاب المملكة في الاختبارات الدولية مثل بيزا دون المتوسط الدولي بفارق كبير إذ تقيس هذه الاختبارات الدولية مهارات مركبة وخبرات تراكمية طويلة المدى في القراءة والعلوم والرياضيات تم اكتسابها في سياقات متعددة، وكذلك منظمة «اليونسكو» والبنك الدولي فنتائج التعليم في دول الخليج ومن ضمنها المملكة مازالت منخفضة مقارنة بدول ذات مستويات دخل مماثلة.
في الحقيقة المسألة ليست مسألة غياب بقدر ما هي إثارة دافعية الطالب للتعليم، وهنا أقترح على وزارة التعليم بدل التشدد في مسألة الغياب أن تستحدث مؤشر الحب والكراهية في التعليم، وبالتالي الحصول على نتائج عالية، في اليابان مثلا العام الدراسي الفعلي هو الأطول على الإطلاق تتخلله عُطلة الربيع، التي تصل إلى نحو 10 أيام، ومثلها عُطلة رأس السنة الميلادية، بينما العُطلة الصيفية، تصل إلى نحو 40 يومًا. وعدد ساعات الدوام المدرسي، هي الأطول مُقارنة بأي دولة أُخرى، لكن هذا لا يعد مؤشرًا حقيقيًا لتطور التعليم في اليابان، المؤشر الحقيقي هو في دافعية الطالب للتعليم، في حب الطالب للمدرسة والأرقام تشير إلى أن نسبة غياب الياباني عن مدرسته الابتدائية في العام الواحد أقل من 2 %، وهذا يعني أن الطالب قد لا يغيب سوى أقل من 4 أيام من 200 يوم دراسي.. لماذا؟ مؤشر الحب ودافعية الطالب للتعليم هو الأساس في تطوير المنظومة التعليمية من خلال أشكال وألوان الترفيه ومساحة الطالب في حقوقه وحرياته بالمدرسة، وليس تقييده في الفصل المدرسي. ونتيجة ذلك كله تجد الطالب عاشقًا للمدرسة.
نظم التعليم لا تعلِّم الطلاب كيفية التفكير المستقل ومعالجة المعلومات ولا تلبي حاجات التعلم الفردية، وأن المعلمين ما زالوا يعتمدون على الإستراتيجيات التعليمية التقليدية.