مناقشة لبعض ما جاء في محاضرة الشيخ عقيل الشعبان ”حسين مني وأنا من حسين «بحث في المضمون»“
حديث ”حسين مني وأنا من حسين“ مراجعة نقدية لمحاضرة عاشورائية
في كل سنة هجرية يشرق على الشيعة الإمامية شهر محرم بالحزن والبكاء في أنحاء العالم يعلو في هذا الشهر صوتهم نعاة وخطباء ووعاظ يعظون الناس ويذكرونهم بالقيم الدينية والأخلاقية والسيرة التاريخية للإمام أبي عبد الله الحسين بن علي على المنابر ومن تلك المنابر منبر حسينية السبطين بقرية الطرف بالأحساء حيث استهل ش. عقيل الشبعان محاضرته ”حسين مني وأنا من حسين «بحث في المضمون»“ في اليوم الأول من شهر محرم سنة 1445 الموافق 2023 م التي تضمنت مناقشة سندية ودلالية للحديث الذي عنون به محاضرته بدأها 16:30 إلى 28:15 بنسبة رواية الحديث لجابر بن عبد الله الأنصاري وبنقد من أسماه بالبعض الذي ضعف الحديث لمجرد وجود راوي شيعي رافضي ففي الدقيقة 19:16 يقول الشيخ: «يقول بعضهم هذا الحديث ضعيف سندا لأن من رواته فلان وفلان شيعي رافضي، طيب وإذا كان ثقة والغريب أن نفس الشخص يروي عن عمر بن سعد ويقول ثقة...» انتهى كلامه.
في حين من يراجع تخريج الحديث لا يجده مروي عن جابر ولا يجد في رواة الحديث من وصف بالتشيع وأما من ضعف سند الحديث فتضعيفه راجع لجهالة بعض الرواة لا لوجود شيعي رافضي كما قال ش. الشبعان «وأما توثيق عمر بن سعد فانظر للمحلق رقم 1 ففيه بيان لبطلان نسبة التوثيق لأهل السنة» وليس صحيح ما قاله من أن الشيعة رووا هذا الحديث فليس لهم سند خاص إليه وإنما اعتمدوا على بعض محدثين أهل السنة «ابن خثيم» في روايته ومنه أخذوه وإليك تخريج الحديث من «المسند المصنف المعلل» «25/ 576»: «أخرجه ابن أبي شيبة «32860» قال: حدثنا عفان، قال: حدثنا وهيب.
و«أحمد» 4/ 172 «17704» قال: حدثنا عفان، قال: حدثنا وهيب.
و«ابن ماجة» «144» قال: حدثنا يعقوب بن حميد بن كاسب، قال: حدثنا يحيى بن سليم.
و«التِّرمِذي» «3775» قال: حدثنا الحسن بن عرفة، قال: حدثنا إسماعيل بن عياش.
و«ابن حِبَّان» «6971» قال: أخبرنا الحسن بن سفيان، قال: حدثنا أَبو بكر بن أبي شيبة، قال: حدثنا عفان، قال: حدثنا وهيب بن خالد.
ثلاثتهم «وهيب بن خالد، ويحيى، وإسماعيل» عن عبد الله بن عثمان بن خثيم، عن سعيد بن أبي راشد...» عن يعلى هذا عند أهل السنة.
وأما محدثي الشيعة فقد أخرجه ابن قولويه في كامل الزيارات ص 116بسندين ينتهيان إلى ابن خيثم... إلخ وأورده المفيد في الإرشاد، ج 2 ص 127 مرسلا عن ابن أبي راشد عن يعلى وعليه فمدار الحديث على ابن خثيم عن ابن أبي راشد عن يعلى في الطريق الأول، وأما الطريق الثاني للحديث «أخرجه البخاري في «الأدب المفرد» «364» قال: حدثنا عبد الله بن صالح، قال: حدثنا معاوية بن صالح، عن راشد بن سعد...» عن يعلى كما في «المسند المصنف المعلل» «25/ 577».
وأما الطريق الثالث أخرجه ابن عساكر في تاريخ مدينة دمشق ج 64 ص 35 بسنده عن أبي رمثة أن النبي ص قال: «حسين مني وأنا منه هو سبط من الأسباط أحب الله من أحب حسينا إن الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة» ولم تذكر رواية ابن عساكر مناسبة الحديث ومن تخريج الحديث يتضح لنا عدم صحة قول ش. الشبعان «الحديث ينقل في آلاف المصادر» لأن الحديث يرجع في الأصل إلى ثلاث طرق وإن أراد جميع الكتب التي ذكر فيه الحديث فهي لا تتجاوز 630 كتاب تقريبا فمن أين جاء بهذا العدد الضخم من المصادر؟ الذي يوهم السامع غير المطلع على مصطلح الحديث بتواتر الحديث!! ومع هذا فإننا نجد س. علي عاشور في كتابه الولاية التكوينية لآل محمد ص 84 يدعي تواتر الحديث ولنا أن نصنف دعواه تحت مسمى وهم التواتر لأن بطلانها واضح.
وأما تعليل من ضعف سند الحديث فهو إما لجهالة بعض الرواة أو ضعفهم ولا نجد في تعليلهم أي شيء له علاقة بالتشيع لأن الرواة الذين رووا الحديث لم يوصفوا بالتشيع!! وإليك كلماتهم:
- الشثري في تحقيقه لمصنف ابن أبي شيبة «18/ 99»: قال «مجهول؛ لجهالة سعيد بن أبي راشد» ولم يعلل هذا بتشيع الراوي لأنه أصلا مجهول وإن ذكره ابن حبان في الثقات راجع «تهذيب الكمال في أسماء الرجال» «10/ 426».
- شعيب الأرنؤوط في تحقيقه لمسند أحمد «29/ 103 ط الرسالة»: قال «إسناده ضعيف لجهالة سعيد بن أبي راشد» ومع هذا قال في تحقيقه «سنن ابن ماجه» «1/ 101»: «حديث حسن».
- عبد العزيز بن عبد الله الراجحي في «شرح سنن ابن ماجة» «9/ 6 بترقيم الشاملة آليا»: «إسناده ضعيف، وسعيد بن أبي راشد مجهول... ولكن معنى الحديث صحيح».
- سعود الصاعدي أستاذ كلية الحديث بالجامعة الاسلامية في «الأحاديث الواردة في فضائل الصحابة» «8/ 43» فقد علل بشكل مفصل تضعيفه للطريق الأول والثاني وليس فيما علله أي علاقة بالتشيع!
- مصنفو كتاب «المسند المصنف المعلل» «25/ 577»: «إسناده ضعيف؛ عبد الله بن عثمان بن خثيم منكر الحديث. انظر فوائد الحديث رقم «6590»» وتضعيف ابن خثيم الواقع في الطريق الأول ليس له أي علاقة بالتشيع!!
ومع هذا ففي مقابل تضعيف من سبق هناك من صحح هذا الحديث وهم: الترمذي «السنن» «6/ 119 ت بشار» بعد أن أخرج الحديث: «هذا حديث حسن، وإنما نعرفه من حديث عبد الله بن عثمان بن خثيم. وقد رواه غير واحد عن عبد الله بن عثمان بن خثيم» والحاكم في «المستدرك على الصحيحين» «3/ 194 ط العلمية»: «هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه» والذهبي في تلخيص «المستدرك على الصحيحين» «صحيح» والهيثمي في «مجمع الزوائد ومنبع الفوائد» «9/ 181»: «... رواه الطبراني، وإسناده حسن» والبوصيري في «مصباح الزجاجة في زوائد ابن ماجه» «1/ 22»: «هذا إسناد حسن رجاله ثقات» والمناوي في «التيسير بشرح الجامع الصغير» «1/ 498»: «وإسناده حسن» والألباني في «سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها» «3/ 229»: رقم الحديث «1227» صحح الحديث بالطريق الثاني وضعف الطريق الأول والثالث وليس في تضعيفه أي علاقة بتشيع الرواة لأنهم أصلا لم يوصفوا بالتشيع، ومحمد ضياء الرحمن الأعظمي عميد كلية الحديث بالجامعة الإسلامية في كتابه «الجامع الكامل في الحديث الصحيح الشامل المرتب على أبواب الفقه» «9/ 195» قال: «حسن» وحسين أسد في تحقيقه لكتاب «موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان» «7/ 197»: «إسناده صحيح» وبغض النظر عن أيهما أصح التضعيف أم التصحيح لنا أن نسأل ش. الشبعان من هذا الذي ضعف الحديث لوجود راوي موصوف بالتشيع؟!! ومن هو الراوي الشيعي المضعف بسببه الحديث؟ وهل وقف على طرق الحديث وتراجم الرواة فيه؟ لأن الظاهر أن ش. الشبعان لم يقف «لم يطلع» على شيء مما سبق ذكره ولا على تراجم رواة الحديث في الطرق الثلاثة ولا على كلمات المضعفين وتعليلاتهم وإنما اكتفى بشخص أسماه البعض لم يبين لنا هويته هل هو عالم؟ أم محقق؟ أم مجرد كاتب؟ كما أننا لا نعلم أين ضُعف الحديث بعلة التشيع؟ هذا من جهة السند.. وقد تبين لك مما سبق عدم صحة قول ش. الشبعان من أن الحديث ضُعف لأجل وجود راوي شيعي رافضي.
وأما دلالة الحديث: فقد أشكل ش. الشبعان على من أسماه بالبعض «وهو مجهول» كما في الدقيقة 21:30 عدة إشكالات أسردها ضمن نقاط مع تلخيصها ثم المناقشة:
الأول: «حُسَيْنٌ مِنِّي، وَأَنَا مِنُ حُسَيْنٍ» يعلق ش. الشبعان قائلا: «يقول بعضهم ايه شنو يعني حسين مني يعني ابني وأنا من حسين يعني محبة وألفه تجد منطق التسطيح» انتهى تعليقه لكن حينما نرجع لبعض شراح الحديث نجدهم يذكون معنى مختلف عما ذكره ش. الشبعان على لسان البعض بل ويربطون معنى الحديث بالدين والإيمان ففي «تحفة الأبرار شرح مصابيح السنة» «3/ 562» قال القاضي ناصر الدين عبد الله بن عمر البيضاوي الشافعي المتوفى 658 هـ: «كأنه ص علم بنور الوحي ما سيحدث بينه وبين القوم، فخصه بالذكر، وبين أنهما كالشيء الواحد في وجوب المحبة، وحرمة التعرض والمحاربة، وأكد ذلك بقوله: ”أحب الله من أحب حسينا“ فإن محبته محبة الرسول، ومحبة الرسول محبة الله» ويتفق معه في جزئية المحبة الشيخ محيي الدين المامقاني المتوفى 1429 هـ يقول في هامش ص 234 ج 3 من كتاب مرآة الكمال لمن رام درك مصالح الأعمال: «ومن احبّ حسينا ع فهو حبيب اللّه... وهذا من صلب عقيدتنا ثبتنا اللّه عليها ورزقنا حب أهل البيت ع» وعلى كل حال فهذا المعنى الذي ذكره القاضي جاء من بعده بعض علماء أهل السنة وتابعوه فيه: وأولهم فيما نعلم شرف الدين الحسين بن عبد الله الطيبي 743 هـ في «شرح المشكاة للطيبي الكاشف عن حقائق السنن» «12/ 3914» والقاري 1014 هـ في «مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح» «9/ 3981» والمباركفوري ت 1353 هـ في «تحفة الأحوذي» «10/ 190».
الثاني: ش. الشبعان يقول «وجانب آخر يقول... وهذا يعتبر فضيلة للحسين كون أن الحب له، يعني من أحبه دلالة على حب الله له لأن الحسين رجل صالح وسبط النبي ص ورجل مؤمن وخير ولأجل ذلك قال النبي ص في حقه» «أَحَبَّ اللَّهُ مَنْ أَحَبَّ حُسَيْنًا».
أقول: سبق وأن تقدم من تفسير أهل السنة ما يخالف حكاية ش. الشبعان على أنه لم يبين لنا هوية الطرف الآخر ونضيف ما قاله بعض المعاصرين في شرح سنن ابن ماجة - الراجحي» «9/ 6 بترقيم الشاملة آليا» «معنى الحديث صحيح؛ ف الحسين... حبه دين وإيمان وقربة» ولنا أن نسأل ش. الشبعان هل اعتبار حب الإمام الحسين ع عمن الدين والإيمان والقربة في نظر أهل السنة تسطيح للحديث أم استنطاق للنص النبوي؟
الثالث: يعلق ش. الشبعان قائلا: «القول الثالث في الفقرة الثالثة «وَالْحُسَيْنُ سَبِطٌ مِنَ الْأَسْبَاطِ» يقولوا سبط من الأسباط حفيد يعني أن النسل النبوي يمتد بالحسين والحسن لأن الأسباط يعني الأحفاد بس ويحطون نقطة وينتهي الكلام فنفهم بأن النبي ص في هذا الحديث ما زادنا شيء واضح» ثم وجه الشيخ خطابه للجمهور قائلا «النبي ص وش عطانه من زيادة كون يقول الحسين مني معلومة جديدة أنت قلي شلون؟ كون الحسين مني يعني ابني معلومة جديدة بحيث هذا الحديث ينقل في آلاف المصادر... يعني هذه الرواية بهذه القراءة لا تعطنا دلالة جديدة ولا معنى حقيقي ولا مسألة علمية بس فضيلة ولا تقول أكثر من هذا...» إلخ كلامه ويلاحظ على كلامه:
- كون السبط بمعنى حفيد فهذا المعنى ذكره أهل اللغة ففي «تاج العروس من جواهر القاموس» «19/ 329»: «والسبط، بالكسر: ولد الولد، وفي المحكم: ولد الابن والابنة. وفي الحديث: الحسن والحسين سبطا رسول الله ص ورضي عنهما. والسبط: القبيلة من اليهود وهم الذين يرجعون إلى أب واحد، سمي سبطا ليفرق بين ولد إسماعيل وولد إسحاق عليهما السلام، ج أسباط. وقال أبو العباس: سألت ابن الأعرابي: ما معنى السبط في كلام العرب قال: السبط والسبطان والأسباط: خاصة الأولاد والمصاص منهم. وقال غيره: الأسباط: أولاد الأولاد وقيل: أولاد البنات. قلت: وهذا القول الأخير هو المشهور عند العامة، وبه فرقوا بينها وبين الأحفاد، ولكن كلام الأئمة صريح في أنه يشمل ولد الابن والابنة، كما صرح به ابن سيده» فتفسير أهل السنة موافق للغة العرب التي ينطق بها النبي صوسيأتي في نهاية مناقشة موافقة أعلام الشيعة الإمامية معهم.
- كونه يمتد به نسل النبي ص فهذا هو الواقع فنحن نرى الآن هذا فالنبي ص يريد أن يعرف من حوله أن نسلي من الإمام الحسين.
- كون النبي ص ما زادنا شيء بحسب هذه القراءة والصحيح أن النبي ص بين أن من أحب الإمام الحسين ع أحبه الله فكيف لم يزدنا شيء؟ على أن النبي ص أراد فيما يبدو من نص الرواية الكاملة «وهذا ما أهمله ش. الشبعان» أن يعرف الناس ومن حوله بالإمام الحسين ع فعن يعلي العامري «انه خرج من عند «أو مع» رسول الله ص إلى طعام دعي إليه، فإذا هو بحسين ع يلعب مع الصبيان، فاستقبل النبي ص امام القوم ثم بسط يديه فطفر الصبي هاهنا مرة وهاهنا مرة، وجعل رسول الله ص يضاحكه حتى اخذه، فجعل إحدى يديه تحت ذقنه والأخرى تحت قفائه، ووضع فاه على فيه وقبله، ثم قال: حسين مني وانا من حسين، أحب الله من أحب حسينا، حسين سبط من الأسباط» واللفظ لابن قولويه.
- كون القراءة التي قدمها أهل السنة للحديث لا تقدم مسألة علمية ولا معنى حقيقي للحديث فبغض النظر عن بطلان هذه الدعوى فما القراءة التي يريد ش. الشبعان أن يقدمها؟ وهل النص يتحمل قراءة جديدة غير تلك التي قدمت على أساس السياق اللغوي والتاريخي؟ أهي تلك القراءة «راجع الدقيقة 41:30» التي أسقط فيها الشيخ مفرد الأسباط القرآنية والتي جاءت ضمن سياق يفيد بأنهم يوحى إليهم ليخرج باستنتاج وتفسير مفاده أن الإمام الحسين ع يوحى إليه كما أوحي إلى الأسباط متأولا أن وحيه غير وحي الأنبياء «أي أنه إلهام» محتج بأنه أوحي لغير الأنبياء كأم موسى «وعند ابن حزم في الفصل في الملل والأهواء والنحل، ج 5 ص 18 هي من الأنبياء ولا يبعد صحة قوله»، وعلى كل حال فالآية «التي ورد فيها لفظ الأسباط» تعطي معنى واحد وهو أنهم أنبياء بدليل واو العطف، وسياق الآية بخلاف سياق الحديث فإن السياق الكاملة للحديث لا يدل على نفس المعنى القرآني الذي أراده ش. الشبعان، وما التفسير الذي خرج به ش. الشبعان إلا نتيجة للإسقاط الذهني وإهمال السياق التاريخي للحديث، ووحدة اللفظ لا يعني بالضرورة وحدة المعنى فلكل لفظ سياقه الذي لا يجب إهماله، ثم إن الله أنزل على الأسباط كما أنزل على إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب وهذه منزلة لا يمكن أن تكون لغير الرسول فهل سيلتزم ش. الشبعان بأن الإمام الحسين ع أُنزل عليه كما أنزل على هؤلاء الأسباط؟ أم سيطر للتأويل؟ ﴿قُلۡ ءَامَنَّا بِآللَّهِ وَمَاۤ أُنزِلَ عَلَىۡنَا وَمَاۤ أُنزِلَ عَلَىٰۤ إِبۡرَ ٰهِىمَ وَإِسۡمَٰعِىلَ وَإِسۡحَٰقَ وَىَعۡقُوبَ وَآلۡأَسۡبَاطِ وَمَاۤ أُوتِىَ مُوسَىٰ وَعِىسَىٰ وَآلنَّبِىُّونَ مِن رَّبِّهِمۡ لَا نُفَرِّقُ بَىۡنَ أَحَدࣲ مِّنۡهُمۡ وَنَحۡنُ لَهُۥ مُسۡلِمُونَ﴾ [آل عمران 84] وأما استنكار ش. الشبعان على مفسرين أهل السنة القائلين بأن الأسباط هم أنبياء فهذا الاستنكار لا معنى له لأمرين الأول: أن ش. الشبعان هو بنفسه مقر بأن واو العطف تأخذ حكم ما قبله وعليه فهم أنبياء، والثاني: موافقة بعض مفسرين الشيعة الإمامية معهم فالطباطبائي في تفسير الميزان، ج 5 ص 140 «قوله تعالى: ”والأسباط“ تقدم في قوله تعالى: ”ويعقوب والأسباط“ «آل عمران: 84» أنهم أنبياء من ذرية يعقوب أو من أسباط بني إسرائيل» ويقول في ج 11 ص 252 «والأسباط تطلق على جميع الشعوب من بني إسرائيل الذين ينتهى نسبهم إلى يعقوب قال تعالى: ”وقطعناهم اثنتي عشر أسباطا أمما“ الأعراف: 160» فالنبي ص إنما أراد أن يعرف من استضافوه في المجتمع المدني الحديث عهدا بالشريعة المحمدية بأن الإمام الحسين ع حفيد من أحفاده الذين خرجوا من رحم س. فاطمة.
أخيرا: يلاحظ على مناقشة ش. الشبعان أمرين الأول المناقشة الافتراضية غير الواقعية «شخص وطرف افتراضيين» والثاني الطابع الجدلي المذهبي العاطفي لا الطرح العلمي الموضوعي العقلاني الذي يتسم باستعراض طرق الحديث ومناقشة أسانيده ثم استنطاق النص واستعراض آراء المذهبين في دلالته فالطرح العلمي يستحضر المناقش فيه الآراء من مصادرها وبأسمائهم الحقيقية الواقعية ثم المناقشة بترجيح ما يراه صوابا وفق أدلة علمية محكمة وهذا ما لم أجده في المحاضرة فلا نعلم من هو البعض والطرف الآخر؟ ولا نعلم ما المصادر التي رجع لها ش. الشبعان؟ وهل يوجد من قدماء متكلمين الشيعة من فسر الحديث بهذا المعنى الذي طرحه الشيخ؟ فالمرتضى حينما تعرض لهذا الحديث في الأمالي ج 1 ص 158 لم يزد على التفسير اللغوي قائلا «فأما الأسباط فأصلها في ولد إسحاق ع كالقبائل في بنى إسماعيل ع؛ وقال ابن الأنباري: هم الصّبية والصّبوة، بالياء والواو معا» وكذا نجد الطوسي في التبيان في تفسير القرآن، ج 1 ص 481 والطبرسي في تفسير مجمع البيان، ج 1ص 404 وابن إدريس الحلي المنتخب من تفسير القرآن والنكت المستخرجة من كتاب التبيان «موسوعة ابن إدريس الحلي»، ج 1ص 6 حينما وقفوا على معنى الحديث أشاروا إلى المعنى اللغوي ولم يزيدوا عليه شيء: «وقالوا: الحسن والحسين سبطا رسول الله ﷺ أي: ولداه» وكذا الطريحي في مجمع البحرين، ج 4 ص 251: «وفي الخبر الحسين سبط من الأسباط أي أمة من الأمم في الخير. ويحتمل أن يراد بالسبط القبيلة، أي يتشعب منهما نسله» ومن هنا يتبين لنا أن هذا التفسير لا حضور له عند قدماء الشيعة ولا متأخر المتأخرين إلى القرن الرابع عشر هجري ولو كان له حضور لأشار له من سبق ذكرهم فمن الغريب نسبة هذا التفسير للشيعة قاطبة من قبل الشيخ مما يوهم المستمع أن هناك من هو قائل بهذا التفسير الباطني من قدماء الشيعة مع أن الواقع خلاف ذلك كما سبق بل إن هذا التفسير الباطني للحديث النبوي لم يمضي عليه أكثر من 9 سنة فيما يبدو لي لأن أول من طرح هذا المعنى لمفردة السبط هو س. منير الخباز سنة 2014 ميلادي قائلا: «وهذا ما أراد النبي ص الأعظم محمد أن يشير إليه: "... حسين سبط من الأسباط“ وصي من الأوصياء، ممن كلمهم الله، ممن أوحى الله إليهم» ولم يسند س. الخباز هذا المعنى لأحد من علماء الشيعة سواء الإمامية أو الإسماعلية أو الزيدية وإنما اكتفى باستنتاجه الشخصي وكأنه لا قائل بهذا المعنى الباطني من علماء الشيعة، ولأجل ما سبق يمكننا أن نصنف تفسيرهما الباطني «الخباز والشبعان» بأنه أحد أشكال تطور النص «أعني على وجه التحديد تطور المعنى وتخضم الدلالة والتي من آثاره تخضم الشخصيات التاريخية».
بقلم صالح حسن العلي قرية الطرف الساعة 4:26pm تم 2023-08-11 م وتم التعديل 2023-08-30 م يوم الأربعاء صباحا 8:30
ملحق رقم 1: عمر بن سعد ودعوى توثيقه في كتب الرجال عند أهل السنة:
ذكر ش. الشبعان في 19:39 دقيقة مسألة توثيق عمر بن سعد أثناء مناقشة من أسماه بالبعض ونسب لأهل السنة كافة توثيقه قائلا: «يقولوا ذاك عمر بن سعد قاتل الحسين، ولكنه ثقة» مستنكر عليهم هذا التوثيق لكن من يراجع الكتب الرجالية يلاحظ:
1. تفرد بتوثيقه العجلي «لكن المحقق بشار في تحقيقه لتهذيب الكمال يشير إلى أن كتاب الثقات خالي من لفظة التوثيق قائلا ثقاته: «الورقة 41. وليس فيه: تابعي ثقة» وبالتالي عدم ثبوت التوثيق» وعلى فرض ثبوت التوثيق من العجلي فهناك من يرى أن العجلي متساهل في التوثيق «راجع صحيح سنن أبي داود ط غراس «7/ 361» وحتى لو قلنا بعدم تساهله فإنه في مقابل جرح وتضعيف القطان وابن معين وابن حنبل والدارقطني «وهؤلاء من كبار نقاد الحديث ورواته» يطرح توثيقه خصوصا أنه مفسر وأما توثيق بعض المتأخرين فلا قيمة له لأن مرجعه توثيق العجلي.
2. تضعيف يحيى بن معين «وهو أعلمنا بالرجال على حد تعبير ابن حنبل» فحينما سئل عن عمر بن سعد أثقه هو؟ فقال: «كيف يكون من قتل الحسين ثقة» فلماذا لم يذكر الشيخ تضعيف ابن معين والذي يمكن اعتباره ممثل المذهب الحنفي، بل ومعتمدهم في تضعيف الرواة.
3. يبدو أن المناخ العام في القرن الأول عند أهل السنة لم يكن يقبل بوثاقة عمر بن سعد فحينما حدث العيزار بن حريث «المتوفى سنة 110 هـ من طبقة التابعين» عن عمر بن سعد قيل له «أما تخاف الله تروي عن عمر بن سعد فبكى، وقال: لا أعود أحدث عنه أبدا» وفي رواية أخرى أن رجل من بني ضبيعة يقال له موسى قال لابن حريث «يا أبا سعيد هذا قاتل الحسين. فسكت، فقال: عن قاتل الحسين تحدثنا فسكت» مما يدل على أن هناك مناخ عاما كان يستنكر الرواية عنه «المنقولات السابقة تم نقلها من كتاب تهذيب الكمال في أسماء الرجال ج 21 ص 357 تحقيق بشار عواد معروف».
4. تضعيف الساجي الشافعي «محدث البصرة وشيخها ومفتيها» القائل عن عمر بن سعد بأنه: «يروي أحاديث بواطيل» يرجع لكتاب إكمال تهذيب الكمال - ط العلمية ج 5 ص 458,5. تضعيف أحمد بن حنبل إمام المذهب الحنبلي فحينما سئل عن عمر بن سعد قال: «لا ينبغي أن يحدث عنه، لأنه صاحب جيوش وصاحب دماء، هو الذي شهد قتل حسين بن علي، قلت «أي السائل»: بلغني عن يحيى بن سعيد «القطان» أنه قال: كان عمر بن سعد لا يعتمد عليه».
6. تضعيف يحيى بن سعيد القطان «الحنفي مذهبا» وقد سبق ذكره ضمن تضعيف ابن حنبل.
7. تضعيف الدارقطني «الشافعي مذهبا»: «قال البرقاني: قلت للدارقطني: كيف حال عمر بن سعد بن أبي وقاص، وجرى منه ما جرى، فقال: كيف يكون حال من جرى منه مثل ذلك، ثم قال: ما خرجوا عنه في الصحيح» يرجع لكتاب التذييل على تهذيب التهذيب ص 296.
فأين ش. الشبعان عن كل ما سبق ذكره من تضعيف عمر بن سعد؟ ولماذا يعمم التوثيق على كافة أهل السنة؟ وكأنهم كلهم وثقوه والواقع خلاف ذلك.
ملحق رقم 2: نشر قميص الإمام الحسين ع كل محرم!!
ذكر ش. الشبعان في 48:50 دقيقة رواية منسوبة للإمام الصادق ع نصها «إذا هلّ هلال المحرّم نشرت الملائكة قميص الحسين مخضّباً بالدماء، فنراه نحن وشيعتنا بالبصيرة لا بالبصر» لكن من يبحث عن هذه الرواية لا يجد لها عين ولا أثر في المصادر الأساسية ولا المجاميع المتأخرة كبحار الأنوار وإنما تفرد بها خطيب المنبر السيد علي الهاشمي «1326 - 1396» في كتابه ثمرات الأعواد ج 1 ص 36 من دون أن يذكر مصدرها ومن أين أخذها؟ بالرغم من أننا نجده يذكر مصادر الكثير من الروايات في كتابه والفاصلة الزمنية بينه وبين الإمام الصادق 1178 سنة فأين كانت طيلة 12 قرن ولماذا ظهرت في القرن الرابع عشر؟ على يد الهاشمي الذي لا تفصلنا عنه فترة زمنية كبيرة «لا تتجاوز 100 سنة» ومما سبق يظهر لنا عدم وجود أصل لهذه الرواية التي ذكرها الشيخ عقيل الشبعان في محاضرته من دون تمحيص وتدقيق.
تم كتابة الملحقات 16 / 9 / 2023