آخر تحديث: 23 / 11 / 2024م - 8:37 م

معالجات هادئة

محمد أحمد التاروتي *

النظرة السطحية للقضايا تنعكس بصورة مباشرة، على طريقة المعالجة، والقدرة على إحداث تغييرات حقيقية للمشكلة، نظرا لانعدام القدرة على رؤية الأمور بالطريقة السليمة، فالمعالجات الظاهرية ليست قادرة على إزالة الأسباب الحقيقية، بقدر ما تتعامل مع المسببات السطحية، الأمر الذي يتسبب في تفاقم الأمور، وتكريسها في العقل الاجتماعي، نتيجة الافتقار إلى الآليات المناسبة، للتعاطي مع الأمور بالشكل المطلوب.

البحث عن الحلول الجذرية يتطلب دراسة واعية، وقدرة على رؤية الزوايا الصغيرة، وأحيانا الدخول في التفاصيل الدقيقة، لا سيما وأن القضايا تبدأ في العادة صغيرة، ولكنها سرعان ما تتضخم تدريجيا، سواء لعدم الالتفات إليها أو بسبب النظرة السطحية، وبالتالي فإن النظرة الثاقبة عنصر حيوي في خلق الأجواء المناسبة، للتعاطي بطريقة مغايرة تماما، الأمر الذي يحدث حالة من الانفراج الداخلي، والارتياح الخارجي، جراء وجود رؤية عميقة، تنطلق من الأسباب الحقيقية للمشكلة، وتتغافل عن الأمور الهامشية، مما ينعكس بصورة مباشرة على إنهاء تلك المشاكل.

التعاطي بتوازن مع الأطراف المتشابكة، والابتعاد عن المحاباة، أو الدعم لأحد الأطراف، عنصر أساسي في الخروج بحلول عملية، انطلاقا من الرؤية الشمولية، وعدم الانحياز خلف طرف دون آخر، خصوصا وأن تعميق المشاكل مرتبط بالآلية المستخدمة للمعالجة، فإذا كانت عقلانية ومتوازنة، فإنها ستصل إلى النتائج المرجوة، فيما ستتعقد الأمور بشكل أكبر بمجرد الانحياز لأحد الأطراف، ومن ثم فإن اتخاذ الموقف الحيادي، والثبات على الرأي المتوازن، يخلق الارتياح لدى كافة الأطراف، مما يمهد الطريق أمام الدخول في مرحلة الحلول، والانخراط في مسيرة المعالجات الحقيقية.

القدرة على تحريك الملفات بطريقة عقلانية ومتوازنة، عملية أساسية لتعزيز الثقة، وإزالة المخاوف والهواجس، التي تسيطر على تفكير بعض الأطراف المتشابكة في القضايا، خصوصا وأن البحث عن الحلول خطوة أولى، ولكنها ليست كافية لإحداث تحركات عملية على الأرض، فالحلول بحاجة إلى أطراف قادرة على ترجمتها على الواقع، الأمر الذي يستدعي التحرك بطريقة متوازنة، لإزالة المخاوف، وكسب الثقة من جميع الأطراف، وبالتالي فإن التحركات غير المنضبطة تولد الكثير من المشاكل، وتقود إلى حالة من التشابك، مما يسهم في تكريس المشاكل في الواقع الاجتماعي، جراء فقدان الثقة في الأطراف الساعية لمعالجة القضايا.

وضع القضايا على الطاولة، والاجتهاد في حصرها ضمن النطاق الجغرافي الضيق، عنصر فاعل في محاصرة الأمور، وعدم السماح بتمددها في الاتجاهات العمودية والأفقية، لاسيما وأن الإحساس بالانعكاسات السلبية لتفاقم القضايا في البيئة الاجتماعية، يمثل أحد المحركات الأساسية لتطويق بشكل سريع، خصوصا وأن نتائج التغافل أو عدم الاهتمام تكون نتائجه وخيمة على العقل الجمعي، فهناك مشاكل تكون صغيرة، وذات إطار محدود في البداية، ولكنها سرعان ما تتحرك إلى بركان يحرق القريب والبعيد، مما يستدعي وضع الأمور في المسار الواضح، من خلال التعاطي بوعي كامل مع الأمور، وعدم إتاحة الفرصة للمشاكل للتوسع، انطلاقا من الحفاظ على البيئة الاجتماعية، وعدم السماح للمشاكل بإدخال الجميع في طرق وعرة، سواء فيما يتعلق بالعلاقات المشتركة، أو المسار الثقافي الجمعي.

الثقافة المسؤولة قادرة على تحريك الشعور الذاتي، لدى العديد من الفئات الاجتماعية، من أجل خلق المناخ العام باتجاه المعالجات الهادئة للقضايا، لاسيما وأن انعدام المسؤولة يتسبب في الكثير من المشاكل، على الصعيد الفردي أولا والاجتماعي ثانيا، خصوصا وأن المشاكل لا تفرق بين فرد وآخر، فالجميع يكتوي بنيرانها بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، مما يعني أن الفرد والمجتمع ليس بمنأى عن الآثار السلبية، لتفاقم المشاكل على الإطلاق، الأمر الذي يستدعي وضع الأمور في المسار الصحيح، لخلق البيئة القادرة على امتصاص القضايا، بطرق واعية، عبر استبعاد التحركات الفوضوية، أو استخدام الوسائل الارتجالية، وبالتالي فإن الثقافة المسؤولية بإمكانها تحريك الجانب الإيجابي، في التفكير بما يخدم البيئة الاجتماعية، ويقضي على النظرة السطحية والسلبية، في مختلف المجالات الحياتية.

كاتب صحفي