آخر تحديث: 22 / 12 / 2024م - 9:12 ص

أسبوع مغاربي حزين

يوسف مكي * صحيفة الخليج الإماراتية

خلال أسبوع واحد، شهد المغرب العربي، في أقطار ثلاثة، المغرب، ليبيا، الجزائر أحداثاً مؤلمة، بدأت بزلزال مساء الثامن من الشهر الحالي، ضرب المغرب، بمقياس يزيد على سبع درجات بمقياس رختر، وذكر أنه استمر ما يربو على العشرين ثانية. وتجاوزت مساحته ستمئة كيلومتر مربع، وتسببت في دمار واسع وانهيارات في مدن وبلدات عديدة، لم تشهد البلاد شبيهاً له خلال أكثر من قرن من الزمن.

وقد نتج عن الزلزال، وفقاً لآخر إحصائية مصرع ما يربو على الثلاثة آلاف فرد، وستة آلاف ومئة وخمسة وعشرين من الجرحى، ولا تزال عمليات الإغاثة والبحث عن المفقودين تحت الأنقاض مستمرة. وينتظر أن تكلف إعادة إعمار المناطق المنكوبة مليارات الدولارات. ورغم أن الحكومة المغربية بذلت أقصى جهودها للتعامل مع الكارثة لكن آثارها فاقت كثيراً قدراتها، بما استدعى مناشدة الأشقاء والدول الصديقة والقوى الدولية لتقديم المساعدة، للتسريع في إزالة الركام، والإسهام في عملية الإغاثة للسكان الذين باتوا بلا مأوى، وفي معالجة الجرحى، والبحث عن المفقودين.

أما الكارثة الأخرى، فتسبب فيها إعصار «دانيال القادم» من أوروبا، حيث ضرب المدن الشرقية في البلاد يوم العاشر من سبتمبر/ أيلول الذي جاء نتيجة رياح عاتية، ونزول أمطار غزيرة على المناطق المنكوبة تعادل ما ينزل من المطر في عشرين عاماً، وتمركزت بشكل مكثف في مدينة درنة، وجاءت في شكل إعصار عاتٍ ومدمر ضرب الساحل الشرقي الليبي، وشمل مدناً عديدة، من ضمنها بنغازي، والبيضاء وسوسة والمرج وشحات، وأسهمت في اختفاء قرية الوردية بالكامل مع سكانها، بالإضافة إلى دمار شامل في درنة، المدينة التي اعتبرت الأكثر تضرراً من الإعصار، والإعلان عنها «مدينة منكوبة»، وغير صالحة للسكن لأجل غير مسمى.

والأسوأ في هذا الإعصار تدميره لسدَّين بُنيا في السبعينات من القرن الماضي، بما جعل المياه الجوفية تختلط بمياه المجاري، وباتت غير صالحة للشرب. وقد تم الإعلان عن مصرع أكثر من اثني عشر ألفاً من البشر، وأكثر من هذا العدد، لا يزالون في عداد المفقودين. وذكر أن قوة الإعصار تماثل انفجار قنبلة هيروشيما يتكرر كل عشرين ثانية.

وقد اعترفت حكومة الوحدة الوطنية الليبية، بعجزها عن معالجة الموقف، ووجهت نداءات للدول الشقيقة والمجتمع الدولي، للإسهام في عمليات الإسعاف وإنقاذ السكان المحاصرين في المدن التي تعرضت للإعصار.

أما الحدث الأخير، فهو الحرائق الضخمة التي شهدتها الجزائر، والتي مازالت مشتعلة مؤدية إلى أكل الأخضر واليابس، من الثروات الجزائرية، ولا تزال الأوضاع في بداياتها، ولم تتوفر بعد، أخبار دقيقة، عما ألحقته هذه الحرائق من خراب.

صحيح أن هذه الأحداث هي من صنع الطبيعة، لكن ذلك لا يعفي من المسؤولية. فالهزات الأرضية تحدث بهذا القدر في كثير من الدول، ولا تلحق ذات الأضرار حين تكون البلدان المستهدفة مستعدة لاستقبالها، سواء في شكل المباني أو في متانة البنية التحتية، أو في استخدام الوسائل العلمية للتنبؤ بشكل تقريبي بمواعيد حدوثها.

والأمر كذلك، لا يختلف عن الإعصار الذي ضرب الأراضي الليبية، فقد وفد هذا الإعصار من أوروبا، بالبلدان المواجهة لليبيا، ولم يشكل وصوله للأراضي الليبية مفاجأة للمسؤولين. وكان بالإمكان إجلاء السكان، بشكل مؤقت عن المناطق التي يتوقع وصول الإعصار لها، أو على الأقل تحذير المواطنين، من مخاطره والطلب إليهم مغادرة المدن والبلدات المتوقع أن تكون هدفاً له. وبالمثل كان بالإمكان تفريغ السدود من مياهها بالبحر الأبيض المتوسط، فتكون نتائج الإعصار أقل كارثية.

الدعم العربي للأشقاء في المغرب وليبيا، مسؤولية أخلاقية وقومية ودينية، ليست فرض كفاية على دولة دون أخرى. وحين تحدث مثل هذه الكوارث، فينبغي التسامي فوق الخلافات السياسية، وألا تكون عائقاً من دون مدّ يد العون والمساعدة للإخوة. وبالمثل لا ينبغي من الدول المنكوبة، عدم قبول المساعدة من الأشقاء، تحت ذريعة السيادة. وقد تكون مثل هذه الكوارث سببا لتضميد الجروح، ولكي تعود علاقات الأخوّة إلى ما ينبغي أن تكون عليه من سلام ومحبة ووئام، وليصدق القول المأثور بأن في كل شر خير. وأخيراً فليس لنا سوى التضرع إلى العلي القدير بأن يشمل برحمته الموتي، وأن يعجل في شفاء الجرحى، وأن يجعل ما جرى برداً وسلاماً على أهلنا في البلدين المنكوبين، إنه سميع مجيب.