آخر تحديث: 21 / 11 / 2024م - 7:09 م

ابن قريش، المبعوث رحمة للعالمين

ليلى الزاهر *

اعتقادي الجازم بقوة الله تعالى في هذا الكون جعل إيماني يصبّ في مبدأ آمنتُ به منذ بصرتُ الحياة واشتدّ عودي فصرتُ أرددُ دائمًا في جبّ معتقداتي:

عندما يكون النّاصر والمعين الله تعالى تقف جميع إمدادات البشر وخططها، وتصبح السلطة البشريّة عاجزة، ليصل الأمر إلى الإعجاز.

وعندما تبحث في سيرة طفلٍ يتيم فارق أبواه الحياة، وغدا مجردًا من الاستقرار العائلي قد لاتعتقد بأنه قد يقود العالم، فتخضع له أعظم القوى البشريّة في زمنه.

محمد بن عبدالله ابن قريش من بني هاشم ما أن لمحه أبو طالب حتى نحّى اليُتم جانبًا وتنبأ له بالهيمنة المطلقة والشأن الرفيع.

كان أبو طالب والسيدة خديجة أول الغيث حمايةً ورعايةً لمحمد، سخرهما الله تعالى لنبيه المبعوث رحمة للعالمين، هكذا وصفه الله تعالى، وتعهد بحمايته.

قال الله تعالى:

﴿وَ إِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَ يَمْكُرُونَ وَ يَمْكُرُ اللَّهُ وَ اللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ «سورة الأنفال: 30»

هيّأ الله تعالى لنبيه الكريم كلّ السبل التي تعينه على المضي لنصرة دينه، فقد أصرّ أبو طالب على منع قريش من قتل الرسول وحمّل بني هاشم مسؤولية ذلك إيمانًا بدعوة ابن أخيه، وقيامًا بما يفرضه الواجب تجاه الصادق الأمين.

وقد رُوي أن أبا جهل قال للنبي قولا يثبت سمو مكانته ﷺ بين أبناء عمومته عندما وقف أمامه مكابرًا:

«مانتهمك ولانكذبك ولكننا نتهم الذي جئت به ونكذبه»

لقد جهلوا وفطن أبو طالب لِما جاء به محمد! وامتدّ به الأمر إلى زرع ذلك الإيمان في نفوس أبنائه ومنهم من ضحى بحياته فداء للنبي ليشهد له التاريخ «علي أول فدائي في الإسلام».

ومن أجمل المواقف التي قرأتها عن حبه لابن أخيه عندما جمع بني هاشم وأحلافهم

فخطب بهم قائلًا:

«إنَّ مُحَمَّداً نبي صادق وأمين ناطق، وإن شأنه أعظم شأن، ومكانه من ربه أعلى مكان، فأجيبوا دعوته، واجتمعوا على نصرته.. فإنّه الشرف الباقي لكم مدى الدّهر»

لذلك وبعد وفاة أبي طالب تجرأت قريش على نبينا الكريم واشتد إيذاؤها له فنزل جبرئيل لنبينا الكريم فقال: يامحمد اخرج من مكة فليس لك فيها ناصر.

وبدأ عهد جديد من نصرة الله تعالى لدينه فدخل في الإسلام الكثير من الناس الذين انحدروا من بطون مختلفة وأيدوا محمدا وانتصروا له.

إنّ تحطّم إمبراطوريّة قريش مؤشر على قوة الإسلام ونهضته العظمى التي لم يخبُ نورها على مدى قرون طويلة.

إننا إذا تساءلنا عن خلود الإسلام وبقائه فلابد أن نفطن نحن أبناء الإسلام إلى الطرق التي أسعفنا بها الله تعالى لنكون خير أمة أخرجت للناس، أنقذنا بنبي مُسدد، وبحكمته وحسن إدارته - وبمدة وجيزة قياسا لعمره الشريف - تقبلته الشعوب المختلفة ودخلت أفواجًا في دينه الحصين.

إن ابن قريش ﷺ حارب وفتح أمواجًا هادرة من الإصلاح كانت لها القدرة العجيبة على التجديد، وحمل بوادر التغيير العظمى التي أحدثت فارقًا كبيرًا في المجتمع؛ فمن قبح العادات لسموها فخرًا، ومن آلام المعتقد الجاهلي إلى لذّة مبادئ الإسلام السامية.

وهيهات أن يخطّ قلمي بحروفه العربية الفصيحة إلا لأنّ الإسلام كان سببًا لبقاء اللغة العربية الفصحى محفوظة بسلام لحفظه تعالى للقرآن الكريم من التّحريف وتعدد المصالح البشريّة.

محمد رسول الله، صنديد الرسالة وحامل مشعلها، وحافظ سرّها، مازال نوره يشعّ في أطراف المدينة وطرقها ومنازلها.

الربيع الأزهر، والشمس المؤنسة في ظلام دامس ذلك محمد رسول السلام، ومبعث الأمان.