القواعد الاجتماعية
تشكل التقاليد الاجتماعية أحيانا صمام أمان، لحماية البيئة الاجتماعية من الانجرار، وراء الشعارات الزائفة، فيما تكون أحيانا أخرى، عائقا كبيرا لمنع الانطلاق بقوة نحو الارتقاء والنهوض، جراء رسم خطوط حمراء يصعب تجاوزها، من لدن العديد من الفئات الاجتماعية.
التعاطي بوعي مع التقاليد الاجتماعية عنصر أساسي، للتحرك وفقا للمساحات المتاحة، من أجل الحفاظ على الكيان الاجتماعي من الانفراط، أو الانحدار باتجاهات خطيرة للغاية من جانب، وعدم التقوقع على الذات وكسر القيود المعنوية المفروضة على العقول من جانب آخر، خصوصا وأن التطرف بمختلف أشكاله يولد الخراب والدمار، على مختلف الأصعدة الاجتماعية، مما يستدعي التحرك وفق رؤية متوازنة، بعيدا عن الإفراط والتفريط، في كافة مختلف المجالات الحياتية، من أجل وضع قواعد اجتماعية قادرة على ضبط الأوضاع بشكل عقلاني.
محاولة كسر القواعد بالقوة يولد ردود أفعال موازية، انطلاقا من المخاطر الكبيرة الناجمة، عن تحطيم تلك القواعد المتوارثة لدى المجتمع، فالدخول في المناطق المحظورة تكون آثاره خطيرة على الجميع، بحيث لا يقتصر الأمر على فئة دون أخرى، نظرا لاتساع دائرة الآثار المترتبة على عمليات كسر القواعد الاجتماعية، الأمر الذي يخلق حالة من التوتر الداخلي بين الفئات الاجتماعية، خصوصا وأن كسر القواعد الاجتماعية يحمل في طياته أهدافاً عديدة، بعضها مكشوفة، والبعض الآخر مخفية، مما يرفع منسوب المخاوف لدى البيئة الاجتماعية، من الدعوات الساعية إلى تجاوز الخطوط الحمراء، والدخول في المناطق ”المحرمة“، من خلال تحطيم بعض القواعد الاجتماعية السائدة.
التسامح الظاهري لتجاوز بعض ”المحرمات“ الاجتماعية، يحفز على الانخراط بشكل أكبر، في تجاوز ”المحظورات“ الاجتماعية، لا سيما وأن تحطيم القواعد الاجتماعية تبدأ بشكل خجول وتدريجي، ولكنها سرعان ما تتحول إلى ظاهرة اجتماعية شائعة، الأمر الذي يسهم في إحداث الانقلابات الثقافية في الفكر الاجتماعي، بحيث تصبح القواعد الاجتماعية السابقة جزءا من التاريخ، جراء سيطرة الفكر الجديد على الساحة الاجتماعية، ومن ثم فإن الخطوة الأولى لمواجهة عمليات تحطيم القواعد الاجتماعية، تتمثل في الوقوف بحزم أمام التحركات الساعية، إلى تكريس قواعد اجتماعية طارئة، من أجل الحفاظ على التقاليد السائدة، ورفض مختلف أشكال الدعوات، الساعية لخلق واقع جديد مضطرب وسقيم.
وجود محركات ذاتية لحماية القواعد الاجتماعية، من الشوائب والأمراض الخطيرة، أحد العناصر الأساسية لتقليص حجم الآثار المترتبة، على المحاولات المتكررة، لكسر تلك القواعد الحاكمة في البيئة الاجتماعية، لا سيما وأن عمليات ”التجميل“ التي تجريها الأطراف الداعمة، لتحطيم القواعد الاجتماعية، تسبب في تشويش الرؤية لدى البعض، مما يسهم في الانخراط وراء تلك الدعوات، جراء الانخداع الكبير الناجم عن العمليات التجميلية، التي أجريت لإخفاء حقيقة تلك الدعوات، ومن ثم فإن تعرية تلك الدعوات بالشكل المناسب، يعيد الأمور إلى الأوضاع الطبيعية، ويحول دون الانسياق وراء تلك الدعوات، الساعية لإفراغ البيئة الاجتماعية، من القواعد القادرة على تعزيز التماسك الداخلي.
الدعوات الساعية لتطوير القواعد الاجتماعية، أحد الشعارات البراقة التي يرفعها أنصار تحطيم الثوابت في العقل الجمعي، فالأطراف الداعمة لتلك الدعوات تحاول استقطاب بعض الشرائح الاجتماعية، عبر استخدام مفردات جاذبة، والابتعاد عن المصطلحات الصارمة، انطلاقا من القناعات الراسخة بضرورة التعاطي بحذر، مع التحركات المضادة للقواعد الاجتماعية السائدة، مما يستدعي انتهاج الوسائل الملتوية وغير المباشرة، بهدف إعادة تشكيل الوعي الاجتماعي، بما ينسجم مع التحركات الهادفة، لتحطيم العديد من القواعد الاجتماعية القائمة، بمعنى آخر، فإن التعاطي بوعي مع الدعوات الساعية، لتطوير القواعد الاجتماعية أمر مطلوب، لتفادي الوقوع في مصيدة هذه الدعوات، والابتعاد عن مواقع الخطر، والحفاظ على القواعد الاجتماعية، بعيدا عن التلاعب غير الواعي من لدن بعض الأطراف، غير المدركة لخطورة الآثار الناجمة، عن تحطيم القواعد الاجتماعية السائدة.
القواعد الاجتماعية على اختلافها، تمثل انعكاسا مباشرا للثقافة المجتمعية، فالتلاعب في مفرداتها أو محاولة إزالة من الواقع القائم، يمثل نسفا للكثير من المفاهيم الثقافية القائمة، الأمر الذي يتطلب التحرك بعناية كبيرة للحفاظ على الثقافة الاجتماعية، والحيلولة دون تحطيم القواعد الاجتماعية، دون وعي كامل لخطورة مثل هذه الممارسات، على الواقع الاجتماعي.