لا تدعهم يسرقونك!
أصبح اهتمام الفرد المعاصر منصباً بالكامل على الفضاء الرقمي وما يحتويه من وسائل ومنتجات، بحكم الواقع الذي نعيشه. يمكن وصف العلاقة التواصلية في الشبكات الاجتماعية، بأنها عبارة عن علاقة بين منتج ومستهلك، ولهذا تصبح المنافسة على عرض المنتجات كبيرة، ولكل تاجر طريقته، وقيمه وحدوده، وإمكاناته.
ونظرًا للتزاحم الكبير، في العرض والطلب، ومحدودية الوقت، وتنوع المعروضات ومنصات التقديم، وُلدت الحاجة لـ ”الانتباه“، كمحرك رئيس وأساسي في عملية الجذب والتلويح، واستخدامه كاستراتيجية جادة للفوز باهتمام المتابعين، أو المستهلكين، دون إدراك منهم بذلك.
الأمر الذي جعل الخبراء والمحللين من مختلف التخصصات منذ فترة ليست بالقصيرة يبحثون عن هذا المورد النادر، والذي يزداد ندرة يومًا بعد يوم، وهو ما جعلنا أمام فرع اقتصادي ينشأ على نحو تدريجي في أماكن مختلفة من العالم، أصبح يطلق عليه“اقتصاد الاهتمام أو الانتباه Attention Economy”.
وبحسب الجمعية الأمريكية لعلم النفس American Psychological Association؛ فإن اقتصاد الانتباه يعني:“حالة تتركز فيها مصاد الوعي والتركيز على جوانب معينة من البيئة أو المحيط بدلاً من التركيز على جوانب أخرى”، الذي يأتي بأشكالٍ مختلفة كالحب والوعي والتقدير ومساعدة الآخرين، وهو ما يستمد أهميته من مقدار الوقت الذي يقضيه الفرد في شيء معين من جدوله اليومي بكل طواعية، ذلك أن مقابل الانتباه لشيء معين يعني في الوقت نفسه عدم التركيز على بقية الأشياء، وبشكلٍ خاص في ظل التدافع الكبير على جذب اهتمام وانتباه الأفراد. فالمرء يتوق إلى الاهتمام، ويستمتع بالأضواء وينتشي بالشهرة، ولأجل ذلك؛ فإنه على استعداد لدفع الكثير من الأموال وبذل الكثير من الجهد.
ولذلك، قد نجد كاتبًا أو لاعبًا أو مشهورًا، قرر القيام بفعل لافت وصادم، أو غير اعتيادي، أو ربَّما فيه تجاوز للقانون، بعد تراجع شعبيته واهتمام الآخرين به، أو انحسار الأضواء حوله، ما يتسبب في عودته لنقطة الاهتمام مجددًا. الأغلب يقوم بذلك دون وعي، ولكنهم جميعًا يتشابهون بالطريقة والتنفيذ.
ومع الانفتاح التقني، أصبح هذا الأسلوب مستخدمًا على نحو غزير في المواقع الإلكترونية التي تستهدف الزوار، والإعلانات التجارية، بكل أنواعها. ويوجد في الوقت نفسه، أساليب وخوارزميات كثيرة ومتشعبة للتعامل مع هذا النوع من الاهتمام، تستطيع قياس السلوك وفهم الرغبات والأولويات، وطرق التفاعل والتفعيل.
إن التدفق المعلوماتي الكبير في زمن شيوع العالم الرقمي هو السبب الأول لنمو وبزوغ ”اقتصاد الاهتمام“، حيث المنافسة الشرسة، وتعدد الخيارات وضيق الوقت المتاح، جعلت من اهتمام المستهلك سلعة مستهدفة من جميع المنتجين والمؤثرين.
هي نصيحة لي أولاً وللقراء ثانياً، الوقت هو أثمن ما نملك فهو حياتنا ورصيدنا، والانتباه هو طريقنا ووسيلتنا في صرف هذه السلعة الثمينة الناضبة في أمر معين دون سواه، فلنحسن استغلاله بأقصى ما نستطيع في ما ينفعنا في حياتنا.