آخر تحديث: 24 / 11 / 2024م - 7:35 م

ما امبى أروح الجمعية

عبد الغفور الدبيسي

”والله فلان تعبان وظروفه صعبة وقلنا له يروح الجمعية يأخذ مساعدة بس قال ما أمبى أروح الجمعية. إذا تقدروا انتون تتواصلوا معاه وتساعدوه“ هذا فحوى عدة محادثات حصلت بيني وبين بعض الأعزة من مجتمعنا الكريم وهذا يكشف عن مشكلة في ثقافتنا تمنع شريحة من المحتاجين من الحصول على حقهم من الدعم وعادة ما يسمون «المتعففين»

شعور الإباء والترفع والتعفف هذا ينبع من ثقافتنا وديننا وهو في مجمله إيجابي الأثر وهو يتفاوت عند الناس فبعضهم لا يكاد يوجد عنده شيء من هذه الصفات وبعضهم يزيد فيها إلى درجة تحمل الألم الشديد وحرمان عياله من حق واجب لهم على المجتمع وربما يترتب على ذلك مفاسد وأضرار واضحة.

يجب على الجمعيات تسهيل سبل الوصول اليها وطلب العون منها بطرق أبعد ما تكون عن هدر كرامة المتقدمين وإراقة ماء وجههم ومع تقدم سبل التكنولوجيا تقدم كثير من الجمعيات الآن إمكانية تقديم الطلب الكترونيا وهذه خطوة جيدة. الخطوة الثانية التي تسهم في تخفيف هذا العبء المعنوي على المتقدم للمساعدة هي معرفة نظام الجمعية في المساعدات.. ما يجب على المستفيد تقديمة من مستندات وما توفره الجمعية من برامج وإعانات. نشر الجمعيات لهذه البيانات أصبح إلزاميا في ضوابط الحوكمة تحت عنوان «تنظيم العلاقة مع المستفيدين». إن إفصاح الجمعيات عما تقدمه من إعانات وضوابط صرفها ومقاديرها يسهم في رفع مستوى الثقة بينها وبين مستفيديها وخاصة فئة «المتعففين».

الأمر المهم وهو ما حدا بي لكتابة هذه المقالة هي السعي في تغيير ثقافة المجتمع تجاه الإعانات المقدمة من الجمعيات الخيرية. لازال قسم من المجتمع كما قلنا ينظر لها على أنها استعطاء للآخرين ممن يمنون عليه بها والحق أن إعانات الجمعية حق للفرد المحتاج على المجتمع. كان هناك في الماضي من ينظر إلى إعانات الضمان الاجتماعي بنفس النظرة ويتخلف عن المطالبة بها وهو في أمس الحاجة لها. هذه حقوقك كمواطن محتاج.. طالب بها دون تردد. الكثير يستنكف عن المطالبة بهذه الحقوق لما في البحث الاجتماعي من سؤال وتقصي عن ظروفه الاجتماعية والمالية. وهنا يستحضر هؤلاء صورا من التراث عن كيفية إعطاء الفقير دون معرفته ودون أن يعرف هو من أعطاه. وعند هذه المقارنة نصل إلى مربط الفرس وهو عدم التفريق بين العطاء الشخصي والعطاء المؤسسي. إذا كانت أموالي الخاصة فبإمكاني أن أعطي من أشاء بمعرفتي الخاصة ولن يسألني أحد لماذا أعطيت ولماذا منعت ولن يعرف أحد سواي ما أعطيت. لكن عندما تكون أموالا عامة في مؤسسات محوكمة ومنضبطة بقوانين لا يمكن صرف مبلغ إلا بمعرفة مدى استحقاق المتقدم «البحث الاجتماعي المتكامل عن ظروفه الاجتماعية والمالية» ومقدار ما يستحق من مساعدة مع توثيق كل ذلك وإخضاع الجميع للمساءلة صيانة للمال العام. هذه الخطوة لا غنى عنها ولا يمكن تجاوزها في المنظمات الخيرية الحديثة ولا يمكن مطالبتها بالسرية التامة الممكنة في العطاء الشخصي. نعم يجب على الجمعيات الحصول على جميع تلك المعلومات بطرق نظامية وبأقل حرج ممكن للمتقدم ثم المحافظة على سرية هذه البيانات داخل أسوار المنظمة. أتمنى من الفعاليات الاجتماعية النشطة في مجال التبليغ والإعلام أن تساعد في هذا الجهد كي تتخطى هذه الفئة «المتعففين» هذا الحاجز النفسي وتنظر للمال العام في الجمعيات كحق لها طالما ثبت استحقاقها له.

بقي أن نشير إلى أمر آخر بدأنا نفقده في المجتمع وهو الترابط العائلي الذي قد ينفع في بعض الظروف حفاظا على كرامة الناس. الأسرة هي مؤسسة الضمان الأول للأفراد. كانت الأسر الكبيرة «الممتدة» فيما مضى توفر حاضنة لمن تعثر من أبنائها في ظرف معين فتلتف به وتعينه وينتهي الأمر داخل الأسرة. اليوم نشهد حالات في عائلات ثرية نسبيا يضطرون لطرق أبواب الجمعيات لأنهم ببساطة فقدوا هذا السياج وربما لا أحد من أسرتهم يعرف بمعاناتهم. هذا باب ذو شجون أيضا ويستحق حديثا خاصا.