آخر تحديث: 4 / 12 / 2024م - 11:25 ص

دلالة البكاء على الإيمان

صالح مكي المرهون

كثيرا ما نجلس في مجالس العزاء ونرى المؤمنين يتفاعلون بالبكاء على مصائب أهل البيت في الوقت الذي قد نحاول البكاء معهم ولا نقدر، فنصاب بشعور وانطباع بأن إيماننا لو كان مثل إيمان هؤلاء الباكين لبكينا، فإيماننا إذن ناقص وقلوبنا متحجرة وقاسية.

والسؤال: هل لهذا الانطباع واقعية صحيحة؟ أم هو تحضيض للنفس وتحقير لها فقط؟

والجواب: إن ذلك الانطباع قد يكون صحيحا، فنحن نفتقر إلى الحب الكافي للإمام، أو لأهل البيت وإلى الدرجة الإيمانية التي تجعلنا نتعايش مع هذه المصائب ونبكي عليها، وهذا هو الواقع غالبا، وقد يكون هذا الانطباع خاطئا، وحتى تكون لنا رؤية واضحة في هذا المجال نلقي الضوء على أسباب البكاء وتفاوته من شخص إلى آخر.

في البداية يجب أن نعرف أن البكاء على مصائب أهل البيت ليس غاية، فأعداؤهم بكوا عليهم، وإنما هو نتيجة عرضية لحالة التعايش والتفاعل والتعاطف والانقياد لصاحب هذه المصيبة وأصحابها، بمعنى أنه من إفرازات سماع المصيبة وتخيلها ومدى حب الإمام، وطبعا هذا إذا كان البكاء مقرونا بالعمل بما يريده أصحاب المصاب، أي أهل بيت الرحمة وإلا فما فائدة البكاء؟!

وإذا قلنا: ”إن البكاء ليس غاية“ لا يفهم منه بالتأكيد أنه ليس جيدا، فالتفاعل والتعاطف وهمل الدموع على هذه المصائب من الأمور الجيدة، بل والمرغب فيها كما هو معروف في روايات أهل بيت الرحمة.

وإمكانية البكاء تخضع لعوامل عديدة تزيد من إمكانيته أو تنقص، وأهم هذه العوامل هي الحب الشديد والإيمان الشديد والنفس اللينة الهشة، أي أن جزءا كبيرا من العوامل متعلق بالنفس، فهناك نفوس مستعدة أكثر للبكاء بحسب تكوينها المادي والنفسي وهذه حقيقة، واعتمادا على هذه الحقيقة لا يمكن أن يكون البكاء دليلا قطعيا على قوة الإيمان ولا عدم البكاء دليلا قطعيا كذلك على عدم الإيمان أو ضعفه، وإنما هي معادلة تخضع للعوامل التي ذكرناها، فسيادة عامل أو عاملين معا تجعل النفس أكثر إمكانية للبكاء، إذن فيما نحن فيه، البكاء لم يكن بالضرورة ناتجا عن إيمان قوي وكذا العكس، وهذا بالنسبة للعوامل، وقد يكون هناك عوامل أخرى تساعد على البكاء وعدمه، بل هي واقعية، مثل كيفية وأسلوب طرح المصيبة، أي أسلوب الطرح والصوت والجو الذي طرحت فيه المصيبة وحالة الإنسان النفسية وقت سماعه للمصيبة، فمن كان متأثرا بمصيبة خاصة له قد يكون أسرع بكاء من غيره عند سماع مصائب أهل البيت، والعكس صحيح، أي من كان متأثرا بفرح له، وقد يكون تفكير الإنسان مشغولا جدا بما يهمه فلا يحصل له التوجه، وهكذا تتعدد العوامل، وما ذكرناه كان الأهم.

ومن الأمور الحسنة البكاء خوفا من الله وخشوعا، وفي رضا الله، ومن صفات المؤمن الخوف من الله وخشيته.

والله ولي التوفيق،