أُحجية ابتِسامَة
يتناوب الحزن علينا أفرادًا وعائلات، ومن منّا لم يذقْ مرارة الألم؟
وأصاب الشاعر لُبيد بن ربيعة حينما قال:
أَتَجزَعُ مِمّا أَحدَثَ الدَهرُ بِالفَتى
وَأَيُّ كَريمٍ لَم تُصِبهُ القَوارِعُ.
لذلك كانت بشاشة الوجه واستبشاره في وجوه الآخرين نابعة من سخاء الكفّ، صدّقهُ رسولنا الكريم في قوله:
«ابتسامتك في وجه أخيك صدقة»
وإذا كان بجانبك رفيق يقاوم الألم، ينتقل بك بين مشاهد الحياة المختلفة مابين مُشرقها وقاتمها، فسوف يرسم على وجهك بين الحين والآخر ابتسامة بأحاديثه العذبة، الطريفة، وسوف ينتهك حرمات الأحزان المقدّسة لديك، ويخلق مُقدّسات أخرى للفرح والبهجة.
وبعضهم امتهن الكلمة الطّريفة، فنراه يرسم الابتسامة على الشّفاه بدون مُقدّمات وهذا ديدن الكثير منذ عهود قديمة.
وقد كان الشاعر الأعمش مثالًا على اللسان الطريف في زمانه ويُذكر أنّه مرض فعاده رجل فأطال الجلوس عنده، ثم قال له: يا أعمش، ما أشد ما مرّ بك في علتك هذه؟ قال له: جلوسك عندي
ومرض يوما فعاده جماعة من أصدقائه، فأطالوا الجلوس عنده، فضجر منهم، فأخذ وسادته وقام.
قال: شفى الله مريضكم.
ما أجمل أن تكون الابتسامة هي ذلك الخيط الذي يربطنا بالآخرين حتى لو امتلأت قلوبنا بالألم، فلا يرى الناس منّا إلّا البشْر، ودغدغة مشاعرهم بأطيب الكلمات، ابتسامتك في وجه أخيك نُبل وشهامة، وشكرٌ لله تعالى على كلّ شيء.
الابتسامة سحرُ القلوب، تجري على الشّفاه الحزينة فتذروها رياح السعادة، ويكسوها ألق المروج الخضراء.
إنّها العملة الموحّدة لجميع الشعوب ولمختلف المذاهب الإنسانيّة.
ويحدثُ أنْ تُبهج قلبا حزينًا بأُحجية ابتسامة فكّ رموزها إنسان أنهكته همومه فأصبح يقلّب شفتيه سعيدًا.
ولك أن تتخيل صديقا لك على سريره في مستشفى، يفترسه الألم، فارقه الأمل بعودة مُجدّدة للحياة، أو أما ثكلى، أو طفلا يبكي فراق والده وليس لك من الأمر سوى الدعاء لهم.
إنّها الحياة تُثير فينا عميق الإحساس بالآخرين وتدعونا للتأمل، فنبتسم رضًا بما قسمه الله لنا.
يقول الحق تبارك وتعالى:
﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا﴾ «سورة الأحزاب: 36»