ما الذي يمكن أن يحققه التحسين المستمر لإنتاجية العامل؟ «4»
لعل مقولة للاقتصادي البارز والحائز على جائزة نوبل، بول كروجمان، تغني عن كثير شرح:“النمو في الإنتاجية هو المفتاح لنمو الاقتصاد على المدى الطويل”. ولابد من الإقرار أن تحسين الإنتاجية أمر ضروري لكن تحقيقه يشكل تحدي عنيد، والسبب أنه حتى تتحسن الإنتاجية فلابد من تعاضد جملة عوامل لتسهم مجتمعةً في نمو الإنتاجية، أهمها: «1» الاستثمار في رأس المال: وهذا يشمل البنية التحتية والآلات والمعدات، حيث تساعد الاستثمارات الرأسمالية المنشآت الإنتاجية «الشركات» لإنتاج المزيد بنفس القدر من العمالة. «2» التعليم والتدريب: الموارد البشرية الأكثر تعليما ومهارة هي موارد أكثر إنتاجية. «3» التقنية: التقنيات الجديدة تؤهل المنشآت الإنتاجية «الشركات» على إنتاج المزيد من المخرجات بمدخلات أقل. «4» الابتكار: المنشآت الانتاجية التي تبتكر لإيجاد طرق جديدة لإنتاج السلع والخدمات ستتمكن من انتاج المزيد بنفس القدر من العمالة. ولابد من الاستدراك بالقول أن حتى تضافر هذه العناصر الأربعة لن يكون كافياً إلا بأن تكون المنشآت الإنتاجية «الشركات» متحفزة لتحسين انتاجيتها، بأن تستثمر في التقنية وأن تدرب وتؤهل وتطور مواردها البشرية وأن تسعى للابتكار في طرق الإنتاج، كل ذلك سيمكن الشركة من إنتاج أكثر بتكلفة أقل.
وهذا يقود إلى القول إن تحسين الإنتاجية يتطلب تكامل جهود الحكومة مع اهتمام القطاع الخاص. وفيما يتصل بجهود الحكومة، فقد أُطلقت عددٌ من المبادرات التي ستساهم في تحسين الإنتاجية، ومنها على سبيل التحديد: برنامج الإنتاجية الوطني، الموجه لتحسين الإنتاجية في قطاع الصناعات التحويلية غير النفطية، واستراتيجية لسوق العمل التي تشتمل على حزمة من المبادرات لتطوير وتنظيم سوق العمل وتعزيز جاذبيته وتحسين كفاءته الإنتاجية. وفيما يتصل بالتقنية، فقد أطلقت المملكة حزماً من المبادرات تسخر التقنية بما في ذلك التحول للرقمنة الشاملة من خلال البرنامج الوطني للتحول الرقمي، الذي يهدف إلى توفير الخدمات الحكومية رقمياً. أما بالنسبة للابتكار، فقد أنشأت هيئة تنمية البحث والتطوير والابتكار، ومهمتها التحول نحو اقتصاد قائم على الابتكار.
ويبدو أن ثمة حلقة مفقودة تكمن في إيجاد حافز للوحدات الإنتاجية من منشآت صغيرة ومتوسطة وكبيرة وحتى العملاقة في المملكة حتى يكون لزاماً عليها الارتقاء بإنتاجيتها وباستمرار، إذ أن مُحصلة“مكسب الإنتاجية”«productivity gain» الذي تحققه تلك المنشآت هو الذي سينعكس على نمو الناتج المحلي الإجمالي. أي أن دور الحكومة - على أهميته - يبقى دوراً ممكناً، وأن عبء تحسين الإنتاجية على أرض الواقع يبقى للحد الأبعد بيد المنشآت الإنتاجية؛ فهي التي تنتج السلع والخدمات.
وبما أن هذه حقبة رؤية المملكة 2030، بمستهدفاتها المتعددة، فلا ينبغي استمرار الشركات في نموذج العمل المرتكز إلى الكثير من العمالة غير الماهرة وعلى القليل من الاستثمار في التقنية وطرق الإنتاج المتقدمة، إذ يمكن الجزم أن ذلك لن يحقق للاقتصاد الوطني طموحاته في النمو. ولجلب تلك الحلقة المفقودة فضروري وضع مهمة“تحسين الإنتاجية”في أعلى قائمة مهام الإدارة العليا في منشآت القطاع الخاص، وعلى أساسه يتم تقييم الأداء. وهذا يتطلب ربطاً بين المبادرات الحكومية التي سبقت الإشارة أنفاً لبعضٍ منها وبين المنشآت الإنتاجية في القطاع الخاص.
ولتحقيق هذا الربط بين المبادرات الحكومية وبين منشآت القطاع الخاص بهدف وضع“تحسين الإنتاجية”نصب أعين الرؤساء التنفيذيين كافة، فعل من المناسب إطلاق برنامج وطني لتحسين الإنتاجية، على غرار البرامج في اليابان وألمانيا وجنوب كوريا والصين والهند والبرازيل وتايلند وأندونيسيا. وهذه ليست برامج نظرية، بل تقوم على منهجيات وبروتكولات مجربة ومثبتة الفاعلية لتحسين الإنتاجية. ومن هذه المنهجيات ما يعرف ب“التصنيع الرشيق”و”الخدمة الرشيقة”، وهذا أسلوب بدأ في تويوتا ثم أخذ طريقه في التطبيق العملي من قبل عشرات الآلاف من الشركات على مدى عقود، التي نجحت في خفض التكلفة وتجويد السلعة أو الخدمة، وهو متبع في شركات عملاقة وعالية الإنتاجية مثل تويوتا - بطبيعة الحال - وأبل، ونايكي، وجنرال، وولمارت، وثري إم، وسامسونج، وإل جي، وقد نشرت العديد من الدراسات المُحَكَمة عن فاعلية“التصنيع الرشيق”في تحسين الإنتاجية بما يتراوح بين 30 بالمائة -50 بالمائة. وإذا أخذنا تجربة اليابان على سبيل المثل، نجد برنامج“مشروع اليابان الرشيق”«Lean Enterprise Japan» حقق نتائج ملموسه منذ اطلاقه العام 2008، بأن ساهم في تحسين الإنتاجية 10 بالمائة، وفي رفع القدرة التنافسية للشركات اليابانية 5 بالمائة، وخفض تكاليفها 15 بالمائة.