أراجيز الطف 42
تتفجر من أرجوزة الشهيد عمرو بن خالد الأزدي في يوم عاشوراء، جميع معاني التسليم الكامل للخالق، وتوطين الذات على الصبر في ذات الله، فالأبيات تتضمن البشرى بالفوز بالجنان بمجرد مخالفة الأهواء والسير في طريق الهداية الذي رسمته الرسالات السماوية، ودعا إليه جميع الرسل والأوصياء، منذ خلق الله البشر على وجه البسيطة، حيث يخاطب النفس بعدم الجزع أو الخوف من الموت، فالثمن الذي ينتظرها يستحق التضحية بالغالي والنفيس.
يخاطب الشهيد عمرو الأزدي، في الشطر الأول من الأرجوزة، النفس بشكل صريح ومباشر للتوجه للرحمن، باعتباره الخالق المنعم والرازق، من خلال العمل على تنفيذ الأوامر، وأداء جميع العبادات المفروضة، والتسليم التام في السراء والضراء، حيث يستخدم مفردة ”النفس“ للتعبير عن العزيمة الكاملة لترويضها في عبادة الله، وعدم الاستجابة للشهوات، وتجنب اتباع خطوات الشيطان، من أجل الحصول على الثواب الجزيل، عبر الالتزام بالواجبات، والابتعاد عن النواهي، خصوصا وأن ”النفس أمارة بالسوء“، مما يستدعي مخالفة النفس، وعدم الانقياد لها على الإطلاق، والدوامة على أداء الواجبات في جميع الظروف والأوقات، حيث يقول ”إليك يا نفس إلى الرحمن“.
بينما يجزم الشهيد عمرو الأزدي، في عجز البيت الأول من الأرجوزة، بقطف ثمرة ترويض النفس في الدنيا، والتقرب إلى الله سبحانه تعالى بعدم الانسياق وراء الشهوات، والالتزام الكامل بالأوامر الإلهية، حيث تحمل مفردات الشطر الثاني ”جائزة“ كبرى، نتيجة مخالفة النفس، والخشية الكاملة من سوء العقاب وتجنب الخزي في الدنيا والآخرة، فالشهيد عمرو الأزدي، يعبر عن دخول الجنة، والفوز بالرضوان الإلهي، بطريقة غير مباشرة، من خلال استخدام مفردات ”الروح“ و”الريحان“، فهذه الروائح الطيبة لا توجد سوى في الجنة، التي يجاهد الإنسان المسلم نفسه في سبيل الدخول فيها، حيث يقول ”فابشري بالروح والريحان“.
ينتقل الشهيد عمرو الأزدي، في الشطر الأول من البيت الثاني، من الأرجوزة، إلى الثواب الجزيل جراء ترويض النفس في طاعة الله، فهي ستحصل على الإحسان والخير الكثير، نتيجة الاستقامة الدائمة في الحياة الدنيا، فالمسلم الذي يخالف نفسه على الدوام، ويحرص على القيام بالأعمال الصالحة، ويواظب على العبادات في جميع الأوقات، يحصل على الثواب الكبير في الآخرة، فضلا عن التقدير والاحترام في الدنيا، كونه من القدوات الصالحة التي ترشد الآخرين إلى الصلاح، وبالتالي فإن المرء عند انتقال الروح من دار الدنيا، لا تنفعه أمواله الكثيرة، لا يرفعه الجاه الاجتماعي في القبر، بقدر ما تنفعه أعماله الصالحة في الدنيا، حيث يقول ”اليوم تجزين على الإحسان“.
ويقر الشهيد عمرو الأزدي، في عجز البيت الثاني من الأرجوزة، بالسعادة الكبيرة التي يحصل عليها المرء الصالح في الدنيا، فترويض النفس تكون نتائجه كثيرة على الصعيد الأخروي، فالموت على الطاعة، وعدم الاستجابة للشهوات، يخلق حياة جديدة للإنسان المسلم، خصوصا وأن الرحمة الإلهية تشمل كل شخص يسير في الطريق المستقيم، مما يمثل السعادة الحقيقية لدى كل مسلم، فهو يتطلع للفوز بالرضوان، ونيل المغفرة الربانية على الأعمال السالفة، وبالتالي فإن المسلم الصالح يتحرك على الدوام، بما يصب في رضا الخالق، وعدم السير في طريق الضلال، أو ارتكاب الأعمال السيئة، مما يستدعي وضع مخالفة الله نصب الأعين على الدوام، في جميع السكنات والحركات طيلة الحياة في الدنيا، حيث ”قد كان منك غابر الأزمان“.
بينما يتناول الشهيد في الشطر الأول، من البيت الثالث بالأرجوزة، محو الأعمال السيئة من سجل الإنسان المسلم، بعد التوبة الخالصة، والبدء في حياة جديدة قائمة على الالتزام بالطاعات، وأداء العبادات في أوقاتها، فالمغفرة الإلهية تشمل جميع التوابين، وبالتالي فإن الشهيد عمرو الأزدي، يستخدم ”ما خط باللوح“، للإشارة إلى جميع الأعمال، التي ارتكبها المرء في حياته الدنيوية، مما يستدعي التحرك باتجاه تصحيح المسيرة الحياتية، بما ينسجم مع الأوامر الإلهية، لاسيما وأن الانغماس في طريق الضلال، يقود إلى الهاوية والخسران في الدنيا والآخرة، بينما العودة الصادقة إلى الله، واجتناب المعاصي، يمثل الطريق الصحيح في الدنيا والآخرة، حيث يقول ”ما خط باللوح لدى الديان“.
ويحذر الشهيد في عجز البيت الثالث من الأرجوزة، النفس من الجزع من السير في طريق الهداية، والعودة إلى طرق الضلال، والانسياق وراء الشهوات، والابتعاد عن الطاعة، وترك أداء العبادات على اختلافها، خصوصا وأن الموت مصير كل البشر، فالإنسان مهما طال عمره، فإنه سيوسد على التراب في نهاية المطاف، وبالتالي فإن اتباع الشهوات يمثل الشقاء، والبؤس في الدنيا والآخرة، الأمر الذي يستدعي توطين النفس على الطاعة، وعدم الانجرار وراء المغريات الدنيوية على اختلافها، حيث يقول ”لا تجزعي فكل حي فاني“.
ويعتبر الشهيد عمرو الأزدي، في الشطر الأول، من البيت الأخير من أرجوزته، الصبر السلاح والعلاج الناجح، في تجاوز الحرب المستمرة مع النفس، فالصبر على التعب يعقبه الراحة الأبدية في الجنان، بينما الانسياق وراء النفس، والانغماس في المعاصي، يدمر الإنسان في الدنيا، ويخلده في النار، الأمر الذي يشكل الخسارة الكبرى، فالشهيد عمرو الأزدي، استخدم ”احظى“ لحث النفس على تحمل التعب في طاعة الله، من أجل الحصول على الأمان والاستقرار، سواء في الدنيا والآخر، ففي الدنيا فإن الصبر على الطاعات، يرفع المرء في المجتمع، والآخرة يحصل على الثمن الكبير بالخلود في الجنان، حيث يقول ”والصبر أحظى لك بالأمان“.
ويختم الشهيد عمرو الأزدي أرجوزته، بمناداة عشيرته ”الأزد“ بالمثابرة في طاعة الله، وعدم الانغماس في الملذات، من أجل الفوز بالدنيا والآخرة، خصوصا وأن المعاصي تخلف العار على صاحبها، بينما الطاعات تنير الدرب، وتشق الطريق نحو السعادة الدنيوية والأخروية، الأمر الذي يستدعي مجاهدة الذات، وعدم التراخي معها في أداء الواجبات في أوقاتها، لاسيما وأن النفس تقود صاحبها إلى الهلاك، من جراء اقتحام طرق الضلال والشقاء، حيث يقول ”يا معشر الأزد بني قحطان“.
وتنقل كتب السيرة أن الشهيد عمرو بن خالد الأزدي خرج يوم عاشوراء لمقاتلة الجيش الأموي وهو ينشد:
إليك يا نفس إلى الرحمن
فابشري بالروح والريحان
اليوم تجزين على الإحسان
قد كان منك غابر الأزمان
ما خط باللوح لدى الديان
لا تجزعي فكل حي فاني
والصبر أحظى لك بالأمان
يا معشر الأزد بني قحطان