آخر تحديث: 23 / 11 / 2024م - 11:53 م

علم الكلام ليس من منهج أهل البيت عليهم السّلام!

زاهر العبدالله *

هناك من يقول نقلا عن كتاب مصطلح علم الكلام أن علم الكلام بعيد عن منهج أهل البيت وأن أول من أسسه هو الحسن البصري وهو أحد أعداء أمير المؤمنين الإمام علي .

والجواب هو أن هذا الكلام غير صحيح، فلو رجعنا لعنوان الكتاب الذي ذكره في مصطلح علم الكلام في المكتبة الرقمية لوجدنا ثلاثة كتب بهذا العنوان حد ما وصل علمنا.

أولها موسوعة مصطلح علم الكلام للمؤلف الدكتور سميح دغيم.

الثاني بنفس الاسم للدكتور الفضلي ”قدس“.

والثالث: مصطلح علم الكلام للشيخ أحمد بن زين الدين الأحسائي للمؤلف: أحمد عبد الهادي مهدي الصالح.

وبعد الرجوع لمقدمات هذه الكتب لم نجد أحدهم نقل أن أول من أسس علم الكلام هو الحسن البصري. بل تؤكد الكتب الثلاثة إجمالاً أن علم الكلام بدأ منذ الصدر الأول للإسلام من خلال سيرة النبي الأعظم محمد ﷺ وأهل بيته والجانب السني يشير لبعض الصحابة فهو قديم بقدم الرسالات الإلهية لأنهم جاؤوا في مقام الاحتجاج على قومهم.

ورغم ذلك نجيب على هذا التساؤل من عدة وجوه سنقف عليها تباعاً ولكن لا بد من تعريف علم الكلام أولاً، ثم نرى هل نستطيع نسبته لمنهج أهل البيت في تبليغ الرسالة، أو أنه إحدى أدواتها المعرفية، أم لا؟

علم الكلام له عدة تعاريف إلا أنها تصب في حقل واحد والبعض يخصص بعض فصول هذا العلم كحيثيات لمنهجه الخاص.

وهنا سنذكر التعريف العام الذي ذكره الدكتور الفضلي عليه الرحمة، حيث قال إن علم الكلام هو ”العلم الذي يُبحث فيه عن إثبات أصول الدين الإسلامي بالأدلة المفيدة لليقين بها“ ثم شرح هذا التعريف فقال:

يتوفر علم الكلام على بحث ودراسة مسائل العقيدة الإسلامية الحقة بإيراد الأدلة وعرض الحجج على إثباتها، ومناقشة الأقوال والآراء المخالفة لها، ومحاكمة أدلة تلكم الأقوال والآراء، وإثبات بطلانها، ونقد الشبهات التي تثار حولها، ودفعها بالحجة والبرهان" [1] 

فبحسب هذا التعريف يمكن كشف اللثام عن هذا المنهج لنجد أن أول من استعمله عملاً هو رسول الله ﷺ في احتجاجه مع نصارى نجران حيث كانوا يحاجونه في صدق نبوته بالأدلة التي عندهم في إنجيليهم ومنها أن من يدعي النبوة بعد النبي عيسى حسب بعض نقولاتهم فهو كاذب.

فجاء رسول الله ﷺ ففندها وحللها ونقضها ووضعها في سياقها العام، وذكر المقصود منها وأنه خاصة بجهة وبجماعة معينة في تفصيل نتركه في محله. فانتهت تلك المحاججة إلى المباهلة وهزم نصارى نجران أمام هذا الاختبار الصعب الذي كاد أن يفنيهم عن آخرهم لو وافقوا عليه حينما رؤوا الأنوار القدسية النبي الأعظم محمد ﷺ وسيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء وسيد الموحدين علي وسيدي شباب أهل الجنة الحسن والحسين عليهما السلام حيث قال كبيرهم إني لأرى وجوهاً لو سألوا الله أن يزيل جبلاً من مكانه لأزاله، فلا تبتهلوا فتهلكوا ولا يبقى على وجه الأرض نصراني إلى يوم القيامة، وقال النبي ﷺ: والذي نفسي بيده لو لاعنوني لمسخوا قردة وخنازير، ولاضطرم الوادي عليهم.. [2] 

فنزل قول الله تعالى: ﴿فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ وَ نِساءَنا وَ نِساءَكُمْ وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ ”61“ آل عمران. ثم تبع هذا النهج تلميذ النبوة وخاصة علم ومستودع سر رسول الله ﷺ أمير المؤمنين للصد عن حريم الإسلام وأهله بالحجة والدليل أيضا في الخط المقابل للإسلام وكذلك الخط المقابل لمنهج أهل البيت داخل المسلمين وهكذا بدأ هذا العلم يخرج من علومهم جواهر ثمينة تلاقفوها تلاميذهم بأذن واعية وبصيرة حاضرة، واستفاد المتأثرون بهم من غير مدرسة أهل البيت وبدأوا يسقطون عليه مسميات حديثة كي يُنسب لهم، وأن جذوره منهم وهناك من جاهد في وضعه في سياقات محددة في الإلهيات كالمعتزلة وغيرهم. ولأن المقام هنا مقام حوار، وليس مقام نقاش وبحث علمي يذكر كل أبعاد هذا العلم فيمكن القول:

إن علم الكلام هو: أداة من أدوات تحصيل العلم وفق مقدمات ومعطيات ونتائج يطوّعها أصاحبها لإثبات حق وإزهاق باطل حسب معتقدهم وحسب منهجهم لإقناع الآخرين بقوة الحجة وجميل المنطق.

ولو أردنا أن نضعه في سياق كلمات أهل البيت نقول:

هو المعرفة الواعية بالله ونبيه ﷺ وأهل بيته فيكون محصلته معرفة الدين بشكل كامل من خلال مرآتها وهم محمد وآل محمد كما أكد عليه أمير المؤمنين حيث قال: ”أول الدين معرفته، وكمال معرفته التصديق به، وكمال التصديق به توحيده، وكمال توحيده الإخلاص له، وكمال الإخلاص له نفي الصفات عنه“ [3] .

ولو أخذنا شاهداً من سيرة أمير المؤمنين في هذا العلم قام يوماً خطيباً فقال: ”محل الشاهد“:

”سلوني فإن عندي علم الأولين والآخرين، أما والله لو ثنيت لي الوسادة فجلست عليها لأفتيت أهل التوراة بتوراتهم حتى تنطق التوراة فتقول: صدق علي ما كذب، لقد أفتاكم بما أنزل الله في، وأفتيت أهل الإنجيل بإنجيلهم حتى ينطق الإنجيل فيقول: صدق علي ما كذب، لقد أفتاكم بما أنزل الله في، وأفتيت أهل القرآن بقرآنهم حتى ينطق القرآن فيقول: صدق علي ما كذب، لقد أفتاكم بما أنزل الله في، وأنتم تتلون القرآن ليلا ونهارا فهل فيكم أحد يعلم ما نزل فيه، ولولا آية في كتاب الله لأخبرتكم بما كان وبما يكون وما هو كائن إلى يوم القيامة وهي هذه الآية ﴿يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب ..“ [4] .

وقد سار على هذا النهج أهل البيت وتلاميذهم كهشام ابن الحكم وأمثاله.

الخلاصة:

إن علم الكلام نشأ في الصدر الأول في الإسلام، وقد استفاد منه الكثير من المتكلمين في مختلف المدارس الإسلامية سنة وشيعة وقدرية ومعتزلة. وكل مدرسة توظفه في تقوية منهجها وهناك كثير من الأبحاث بلورت هذا العلم لتصنف فيه المصنفات، فقسمت وفصلت فيه ومنهم الحسن البصري وغيرهم من المهتمين، فناقشوا في هذا العلم كثيراً من الموضوعات منها البحث حول صفات الله، وبالأخص مسألة التوحيد والعدل الإلهي، والقضاء والقدر، وبحث النبوة، والمعاد، والتكليف، والمعجزة. ومسألة حُسن وقبح بعض الأفعال.

واستمر هذا العلم يتطور في مختلف المدارس لدى المذاهب الإسلامية وغيرها من الأديان والمشارب الفكرية.

لذا علينا أن نكرر الدعاء الذي يحصن معارفنا الدينية كما ورد عن الصادق : ”اللهم عرفني نفسك، فإنك إن لم تعرفني نفسك لم أعرف نبيك، اللهم عرفني رسولك فإنك إن لم تعرفني رسولك لم أعرف حجتك اللهم عرفني حجتك فإنك إن لم تعرفني حجتك ضللت عن ديني“ [5] .

[1]  خلاصة علم الكلام للدكتور عبد الهادي الفضلي ص 9.

[2]  بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج 21 - الصفحة 277.

[3]  الانتصار - العاملي - ج 2 - الصفحة 195.

[4]  التوحيد - الشيخ الصدوق - الصفحة 305.

[5]  بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج 92 - الصفحة 326.