ما الذي يمكن أن يحققه التحسين المستمر لإنتاجية العامل؟ «1»
ما علاقة إنتاجية العامل بنمو الناتج المحلي الإجمالي، أو بتحديد أكثر نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي «الناتج المحلي الإجمالي مقسوماً على عدد السكان»؟ الإجابة وجدتها دراسة لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، حيث قدرت أن نصف ما تحقق من نمو في الناتج المحلي الإجمالي خلال التسعينيات كان مرده النمو في إنتاجية العمالة؛ أي كل 1 بالمائة نمو في إنتاجية العامل تنعكس 0,5 بالمائة نمواً في الناتج المحلي الإجمالي في المدى الطويل.
متوسط قيمة ما ينتجه العامل في النرويج يعادل أكثر من 450 بالمائة قيمة نظيره في ماليزيا، فما علاج تدني الإنتاجية؟ هناك من سيقول التعليم، وآخر سيقول الافتقاد للحوافز وللقيادة. كلنا يعلم أن التعليم هو الأساس، وجودته هي العلامة التي تفرق بين أمة وأخرى، وبين اقتصاد وآخر، بل ليس من المبالغة القول إن التعليم هو الذي يجعل التحول للإنتاجية والتنافسية ممكناً، ولطالما تحدثنا بإعجاب جم عن معجزات اقتصادية أحدثتها دول لا تمتلك موارداً طبيعية، لكنها تمتلك مورداً شائعاً في كل الدول، ألا وهو المورد البشري. دولٌ لديها كثرة من البشر وهي تعتبرهم عبأً؛ يعانون من الفقر والمرض والجهل، وبالمقابل ثمة دول لديها كثرة من البشر وهي تعتبرهم ينبوعاً للثروة والإنتاج والتنافسية والابداع والاختراعات وتوليد الكثير والكثير من القيمة المضافة اقتصادياً واجتماعياً وحضارياً. إذاً هي نظرة متفاوتة من قبل الدول؛ مصدر تكلفة أو مصدر لتوليد القيمة.
لعل من المقبول القول، أن تحقيقنا لقفزاتٍ هائلة في الإنتاجية هو متطلب لا مناص عنه لتحقيق تطلعات“رؤية 2030″، ومبررات ذلك القول بديهية؛ وهي أننا نتحول من الريع للإنتاج، وذلك يتطلب أن نكون أعلى انتاجيةً ممن ننافسهم أو ينافسوننا، وإلا كيف سنتمكن انتاج سلع وخدمات بأسعار أقل أو جودة أفضل أو كلاهما؟! وقفزات الإنتاجية تأتي من عدة مصادر، أولها احتضان ورعاية الرأس المال البشري.
يُقصد بالنمو الاقتصادي زيادة قيمة ما تنتجه البلاد من سلع وخدمات عاماً بعد عام. والعامل الأهم في تحقيق نمو اقتصادي إيجابي لأي دولة هو الرأس المال البشري الذي تمتلكه تلك الدولة، فكما نعلم جميعاً أحدثت اليابان معجزةً اقتصادية بعد الحرب العالمية الثانية بفعل التعليم والتدريب والتأهيل وبفضل وجود خطة بأهداف، وكذلك ألمانيا، وبعدهما النمور الأسيوية، فمثلاً لم تكن ماليزيا تملك أي وزن اقتصادي، لكنها أثبتت قدرتها ليس من خلال الاستمرار في تصدير المطاط، بل بالنقلة النوعية التي أحدثتها بتطوير مواردها البشرية واستخدام ذلك المورد استخداماً حصيفاً. وكذلك سنغافورة، التي كان شأنها شان اليابان، لا تمتلك أي موارد طبيعية تُذكر، فنهضة سنغافورة قامت على التميز؛ الإنتاجية العالية والسياسات الاقتصادية المتقدمة والحرص ثم الحرص ثم الحرص على التنافسية! وليس ملائماً أبداً تجاوز ذكر كوريا، التي بدأت خطواتها الأولى للخروج من الفقر والعوز في نهاية الخمسينيات، واتجهت للاعتماد على النفس قدر الإمكان بالإحلال محل الواردات عبر التصنيع المحلي، وكذلك لتنمية صادراتها باستهداف الأسواق الخارجية. «يتبع»