السلاح المغفول عنه
طبع الإنسان وجبل على استخدام الأسلحة المتنوعة سواء الدفاعية أو الهجومية، وقد حث القرآن الكريم على إعداد القوة ﴿وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ﴾ وذلك حتى لا يكون الإنسان عرضة للضعف والانهزام.
وللسلاح أنواع مختلفة صنفها المصنفون منها ما هو دفاعي وهجومي، ومنها الثقيل والخفيف، وتطورت الأسلحة الكيماوية والبيولوجية حتى وصلت للنووية، وقد تفنن الإنسان عبر العصور في إنتاجها حسب حاجته إليها.
لكن أعظمها أثراً وقوةً هو ما استعمله الأنبياء والأوصياء وهو من تعاليم السماء، ولعل كل مرحلة تحتاج إلى نوع من السلاح حسب نوع المواجهة الظرفية.
وحيث إننا نمر بهذه المناسبة العظيمة ألا وهي ذكرى استشهاد الإمام علي بن الحسين السجاد عليهما السلام، والذي عاش تجربة عظيمة مع أبيه سيد الشهداء، والتي لم يجد لها حلاً إلا بتقديم الأرواح في معركة كربلاء وهي الحل الأنسب الذي شخصه الإمام الحسين بالطريقة العسكرية وهي المناسبة لتلك المرحلة.
فعاش الإمام السجاد بعد تجربة كربلاء العصيبة، فشخّص أن الحل الأمثل أن يتخذ سلاحاً آخر وهو من أعظم الأسلحة فتكاً؛ باعتبار أن الهدف من استعمال السلاح هو الانتصار والتغيير، فقد وجد الإمام السجاد أن السلاح الأنجع والأنجح لتلك المرحلة هو سلاح الدعاء كأحد الأساليب التي استعملها.
رغم أن أهل البيت اهتموا بالدعاء، إلا أنه كما يقال إنهم ”تعدد أدوار ووحدة هدف“، فأهدافهم جميعاً هي إنقاذ الأمة من الجهل والضلال ونشر راية الإسلام خفاقة، لذا اهتم أهل البيت بالدعاء اهتماماً بالغاً، وذلك لما له من أثر يعود على الفرد سواء في الدنيا أو الآخرة.
ولأن الدعاء هو أنجع الوسائل وأعمقها في تهذيب النفوس، كما أنه مفتاح للرحمات الإلهية والشفاء ودفع البلاء، لذا نجد كتب الأدعية التي وصلتنا عبر الأزمنة المختلفة، والتي تحتوي على التراث الغزير من أدعية أهل البيت ، بل هو من الذخائر التي امتازت بالصياغة والبلاغة، فهي حقاً آيات من السمو، فقد كانت تحتوي على مضامين وتعاليم القرآن الكريم وآداب الإسلام والعقائد الحقة.
وكما هو المعلوم أن للدعاء آثاراً دنيوية عاجلة وأخرى أخروية آجلة، فمن باب الذكر لا الحصر لثمرات الدعاء نستعرض بعضها مع ذكر الأمثلة والتطبيقات النبوية والآثار من أهل البيت .
فالدعاء مفتاح الحاجات: فهو باب مفتوح إلى الله سبحانه يستطيع العبد أن يخاطب المولى طالباً ما يتأمله صلاحاً له من سعة الرزق والأعمار بل من التخلص من الغموم والهموم، حتى عد نبي الله إبراهيم عليه وآله وعلى نبينا وآله السلام من كثرة دعائه ومناجاته بالأواه؛ أي كثير الدعاء، فقد روي عن الإمام الباقر في قوله تعالى: ﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُّنِيبٌ﴾ أنه قال: الأواه هو الدعّاء.
كما أن الدعاء شفاء من الداء: فالدعاء من أوكد الأسباب على إزالة الأمراض المستعصية، خصوصاً أمراض العصر التي كثرت وهي الأمراض النفسية، فالطب الروحي يرى أن من أهم أسباب تخفيف هذه الأمراض هو اللجوء إلى الله بالدعاء، كما جاء في الرواية عن الإمام الصادق ”عليكم بالدعاء، فإنه شفاء لكل داء“، وقد تفنن علماؤنا المصنفون في كتبهم لجمع جملة من الأدعية والأحراز الكافية للأمراض والأعراض.
والدعاء ادخار وذخيرة: فمن آثاره أن المؤمن إذا واظب عليه في الرخاء كان له ذخيرة في الشدة والبلاء، فقد روي عن الإمام الصادق ”إن الدعاء في الرخاء يستخرج الحوائج في البلاء“.
كما أن الدعاء يهذب النفوس: فهو من أهم العوامل التي تساهم في تربية وبناء المؤمن لما فيه من العبودية وكسب الصفاء والخشوع والنقاء والتواضع والسعي للارتقاء إلى درجات المتقين؛ وبالتالي الفلاح والسعادة الأبدية، فقد روي عن أمير المؤمنين ”الدعاء مفاتيح النجاح ومقاليد الفلاح“.
ومتى ما طالعنا وتأملنا في الصحيفة السجادية الواردة عن الإمام زين العابدين والتي عبر عنها بأنها ”زبور آل محمد“ ومن خلال دعاء مكارم الأخلاق. والتي تزخر بثروة كبيرة من النماذج التربوية على مستوى الفرد والمجتمع والمفاهيم الإسلامية المعمقة سيماء التحلي بالأخلاق العالية.
وأخيراً هو سلاح المؤمن: فللدعاء جنبان أو هو ذو حدين، كما أنه يواجه النفس الأمارة بالسوء، فهو كذلك فيه حد الانتصار على النفس؛ وبالتالي يؤدي إلى تهذيبها والارتقاء بها لدرجات الصالحين، فقد روي عن رسول الله ﷺ ”الدعاء سلاح المؤمن وعمود الدين ونور السموات والأرض“.
وقد كان رسول الله ﷺ رائداً في الإخبار عن الدعاء بالأساليب الجذابة، فهو ﷺ يخبر: ”ألا أدلكم على سلاح ينجيكم من أعدائكم ويدر أرزاقكم؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال ﷺ: تدعون ربكم بالليل والنهار، فإن سلاح المؤمن الدعاء“.
ولقد اتخذ الأنبياء والأوصياء والصالحون من الدعاء سلاحاً لهم يقيهم من شرور لأعدائهم، فقد ورد عن الإمام الرضا أنه قال لأصحابه "عليكم بسلاح الأنبياء، قيل: وما سلاح الأنبياء؟ قال الدعاء.
والأمثلة على ذلك كثيرة من الكتاب والسنة المطهرة منها ما هو على لسان نبي الله نوح ﴿وَنُوحًا إِذْ نَادَى? مِن قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ﴾ .
وكذا حين عزم موسى الهادي العباسي على قتل الإمام الكاظم بعد مقتل الحسين بن علي صاحب معركة فخ، دعا الإمام الكاظم ربه أن يخلصه من شره وظلمه، فمات بعد الدعاء بأيام.
فحري بالمؤمن أن يتخذ هذا السلاح الفتاك دفاعاً وهجوماً في الرخاء والشدة ليتسلح به كما تسلح به الأنبياء والصالحون من الأولياء.
والحمد لله رب العالمين.