الجلواح: اتهامي بالغزل إيجابي.. وشعراء الشرقية تأثروا بالعراقيين
ما يلفت الانتباه في شخصية الشاعر محمد الجلواح، أنَّه على قدر كبير من الأدب الجمّ، ونهضت ذائقته على موسيقى الشعر، منذ طفولته الزاهرة، فشبّ الشعر بين ضلوعه، وبأوزانه ضفّر الغيوم، ورقّص السنابل، وأرجح ظلال النخيل على أنغام أهازيج روحه المُشبعة بالحُبّ والصدق، والوفاء. تأخر الحوار معه قصوراً منا، وبطرقنا نافذة عزلته أشرع في وجوهنا كل أبواب الترحاب لنخرج بهذه الأجوبة النابضة بالعشق المضيء..
أنا.. من سلالة أسلافي الشعراء العرب قديماً وحديثاً، الذين امتطوا صهوة الغزل وسافروا إليه، وعُرِفوا به..
وما أنا إلا من غزية إن غوت
غويت، وإن ترشد غزية أرشد
كما قال عمنا دريد ابن الصمة، لكن لدي - إلى جانب قصائد الغزل - قصائد أخرى جمَّة؛ منها الوطنية والإنسانية والاجتماعية والدينية، وغيرها، وربما فاقت في مجموعها قصائد الغزل، وأتساءل: لماذا تحضُرُ قصائد الغزل في وجدان المتلقي دون سواها؟ لأنني - ببساطة - أكرر قراءتها وحضورها، وألبّي من يطلبها.
أولاً: انحسار الدعوات التي كانت تأتيني لحضور المناسبات الثقافية أو المشاركة فيها.
ثانياً: انشغالي في فترة عملي بنادي الأحساء الأدبي مسؤولاً إدارياً وعلاقات عامة، لمدة تزيد على 12 عاماً، وما يتطلب ذلك من متابعة وجهد ووقت.
ثالثاً: اعتذاري عن إجابة بعض الدعوات؛ التي تصلني لحضور فعاليات أو مهرجانات سبق لي أن حضرتها، وأرى ألا جديد فيها بالنسبة لي، ولا جدوى من حضورها، فأُحيل الدعوة لشاعر أو أديب أو قاص أو مثقف لم يسبق له أن حضرها، وقد فعلت ذلك مراراً كثيرة.
رابعاً: حتى لا أساهم في تكريس مشكلة تكرار أسماء المدعوين من المشاركين والضيوف، لتلك المناسبات الثقافية، التي ما زال الوسط الثقافي يعاني منها، «وإن كان المأخذ في ذلك يكون على الجهة الداعية، لا على المدعو»، وغيرها من الأمور الأخرى.
لا.. لم يؤثر ذلك على كتابتي ومشاركاتي الشعرية المتواصلة منبرياً، ونشراً وحضوراً، وإن كانت هناك بعض الفترات المتباعدة نسبياً أثناء متابعة وتنفيذ تلك الأنشطة، لكن بالعموم لم تكن على حساب القصيدة.
لأنني من الذين لا يحبون النقاد، وحين ندقق في هذا الأمر.. فلا أدري لماذا هم بعيدون عن نصوصي؟ هل هم يرون أنها لم تَرْقَ إلى المستوى المطلوب بالنسبة لهم لتناولها ودراستها؟ أم أن هناك أمراً آخر، والله لا أدري.
نعم هناك قراءات انطباعية لبعض دواويني كقراءة الشاعر والقاص والأديب سعد الغريبي لديواني «نخيل»؛ التي نشرها في مجلة «اليمامة» قبل نحو ثلاث سنوات، ولا أتذكر سواه قام بذلك، وأقول للنقاد: لن أهرول وراءكم، فقصائدي بين يدي القراء.
«إلى الأحساء تُضْرَبُ أكباد الإبل».. للدلالة على الرحيل إلى الأحساء لطلب العلم، وغير ذلك من عوامل ذات تأثير مباشر وقوي في ميلاد شاعر أحسائي كل يوم.. كَمّاً، وكيفاً.
ولا شك أن التجربة الشعرية العراقية هي إحدى التجارب الرائدة في المشهد الشعري العربي بشكل عام، وهي عامل مؤثر قوي على المناطق البعيدة؛ فضلاً عن القريبة منها، لذلك تجد في شعر كثير من الشعراء «الشعراء الشيعة على وجه الخصوص» تأثيراً عراقياً جلياً يمكنك أن تراه في مفردة، أو صورة، أو استدلال، أو رصد تاريخي، أو تناول ما، أو غير ذلك.
كما أود أن أشير إلى أن هناك في بعض المدن والمناطق العراقية كالبصرة والزبير وبغداد والعمارة وكربلاء والنجف والسماوة وبابل، بعض العوائل التي هاجرت من المنطقة الشرقية، ومن نجد إلى تلك المدن والمناطق قبل أكثر من قرنين، وخرج منها - أي من تلك العوائل - شعراء وكُتّاب التحموا مع المجتمع العراقي كالأديب والإعلامي «سلمان بن صالح الصفواني» من القطيف، والشاعر «حسين بن علي الرمضان» من الأحساء، وغيرهما.
ثم جاءت الفترة الأخيرة؛ التي حاولت الجهة المرجعية للأندية الخروج بها إلى تجربة الانتخابات ومحاولة تغيير الإدارات والأسماء، وقد نجحت في ذلك إلى حدٍّ ما، وبوقت قصير وسريع، لكن سرعان ما أصاب هذه التجربة الفشل، وعادت الوزارة التي تشرف على الأندية أن ثَبَّتت أعضاء مجالس الإدارة، وقامت بالتمديد لهم في مناصبهم لأكثر من مرة، وانتهى الأمر في الوقت الحالي إلى «التكليف.. حتى إشعار آخر».
وبكلمة.. فإن الأندية الأدبية بالمملكة مرت بعصر ذهبي ثم فضي ثم معدني، وأرى أنها قد أدت دورها بما يكفي، وتجاوزت زمنها.. وأن يتم استبدالها الآن بمؤسسات وهيئات ثقافية تتماشى مع رؤية المملكة 2030، التي تستقطب الشباب وتعيد إليها الحياة من جديد.
ومشغول في كتابة مذكراتي «السيرة الذاتية»، ولملمة قصائدي التي لم تُنشر في ديوان، إلى جانب بعض المؤلفات المخطوطة ككتاب «الرسائل»، و«الرحلات»، و«المختارات النادرة من الصحافة العربية»، وكتاب «اللقاءات الصحفية» الذي سيُضاف هذا الحوار إلى صفحاته.. وأتطلع أن يتبنى رجل أعمال سعودي محب للثقافة والأدب القيام بطباعة «أعمالي الأدبية الكاملة» على نفقته.