آخر تحديث: 24 / 11 / 2024م - 10:22 م

السجاد والمشروع الحسيني

عبد الرزاق الكوي

شخصية الإمام السجاد كباقي الأئمة كانت تجسيد حقيقة الإسلام وهي من الألطاف الإلهية الذي كرمهم الله تعالى بها، فهم القرآن الناطق والحق المبين والصراط المستقيم، عرف الدين عن طريقهم، وتكاملت مكارم الأخلاق بمعرفتهم، كرسوا حياتهم في خدمة الدين، وجعلهم الله تعالى رحمة للإنسانية، كلا حسب دوره والظروف الحياتية والاجتماعية في زمانه.

لحكمة إلاهية ورعاية ربانية بقى الإمام علي بن الحسين حيا بعد واقعة كربلاء المفجعة، وهذا لطفا من الله سبحانه وتعالى لحاجة المجتمع لدور أئمة أهل البيت في حفظ الدين، الإمام علي بن الحسين شاهد على أرض الطف المجزرة الرهيبة التي راح ضحيتها جل أهل البيت ، ولم يكن عندهم وازع ديني أو أخلاقي حيث سبيت وانتهكت كرامة بنات النبي محمد ﷺ، أرادوا أن يستأصلوا أهل البيت حتى لا يكونوا عثرة في طريق مشروعهم الخبيث في العودة للجاهلية والانتقام بما حل لهم في حروبهم ضد الرسول ﷺ وقتل قادة المشركين.

لكن يأبى الله تعالى إلا أن يتم نوره وحفظ رسالته، نجى الإمام السجاد في أرض كربلاء، وبعدها عندما أخذوا أسارى من بلد إلى بلد، وكذلك دفاع السيدة العقيلة زينب عنه، أفشلت المخطط بشجاعتها وبليغ منطقها ليكون بعدها الإمام السجاد خنجرا في خاصرة أعداء أهل البيت ، فكان بما يملي عليه الواجب الشرعي وحسب الظروف القاسية في زمانه عمل على حماية المجتمع من الانحراف، بوجوده كإمام معصوم وامتداد لبيت الرسالة وما مثلته شخصيته الإيمانية وورعه وزين عبادته في كشف عورة المخالفين، رغم قساوة الظروف والخطر المحدق في مواجهة طوفان إعلامي يقوده زمرة من المطبلين والمرتزقة ومن باع ذمته للشيطان، قام بدور أثناء الأسر، وكشف أنهم ليس خوارج من خلال خطبه ودفاعه عن الشرعية في وجه المخالفين لخط الرسالة، جعل الإمام الدين حياً في قلوب الناس كما جعل ذكرى كربلاء ماثلة للعيان على مدى الأيام، رغم ما عاشته الأمة في تلك الفترة من خوف وإرهاب وتهديد ووحشية لا مثيل لها، فكان مشروع الإمام محفوفاً بالمخاطر أعين الجلاوزة تضعه تحت الأنظار مخافة من أي تحرك، خصوصا استشعار الكثيرين ندمهم على مقتل الإمام الحسين في كثير من الأقطار الإسلامية بشكل عام والكوفة والمدينة بشكل خاص، الذين قمعوا وتم التضييق عليهم.

استمرت المسيرة الخالدة بفضل تضحيات أئمة أهل البيت عليهم، بقى الإسلام خالد بما قدموا من أنفسهم الزكية ودمائهم الطاهرة، فشلت كل مخططات المكر والخديعة، وبقيت راية الدين الحق خفاقة التي لم تأتي من فراغ، بل من وعي وفكر يعمل للإصلاح بشكل سلمي لحفظ الأمة، لكن المخالفين لم يتحملوا فكر أهل البيت السلمي لصلاح المجتمع ورفع المظلومية عنه.

قال تعالى: ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ .

تاريخ أهل البيت لم يكن مشروعهم البدء بقتال، بل كانت دفاع عن الرسول صلى عليه وآله، والعمل أن يستتب الأمن والسلام لكافة المجتمع، بل كانوا يبدلون الجهود من أجل عدم وقوع الحروب والقلاقل، وأن الاختلاف لا يستوجب الدخول في حروب عبثية كانت راسخة في عقول الآخرين وتخدم مشروعهم، حيث قالها الإمام الحسين «وإني خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي» بقى هذا الشعار يتناقل جيلا بعد جيل من حياة الأئمة أتموا الحجة وأقاموا البرهان وكشفوا الانحراف وأزالوا ستار الزيف والتحريف.