آخر تحديث: 23 / 11 / 2024م - 8:37 م

أراجيز الطف 40

محمد أحمد التاروتي *

حملت أرجوزة الشهيد أسلم التركي في ساحة الطف، جميع مفردات التفاخر والشجاعة في وجه الجيش الأموي، فهي تتضمن مفردات تتوعد بالمصير المحتوم، لكل من تسول له نفسه الوقوف طلب النزال، الأمر الذي يكشف البطولة التي يتحلى بها، والقدرة على الاستفادة من المخزون الأدبي، في إيصال الرسائل القوية للطرف المقابل.

ينطلق الشهيد أسلم التركي، في الشطر الأول من الأرجوزة، باستخدام مفردة ”البحر“ للدلالة على القدرة على السيطرة على المساحة الواسعة، وعدم التردد في خوض القتال في جميع الأحوال، الإبحار في دماء الجيش الأموي، فالشجاعة التي يمتلكها قادرة على الإحاطة بالمساحات الواسعة، والتنكيل الأعداء الكثير دون النظر إلى الألوف الجرارة، التي تقف ساحة المعركة، فالشهيد يستعير كلمة ”البحر“ لإعطاء صورة واضحة، بالقدرة على خوض غمار القتال في الظروف الصعبة، لاسيما وأن القتال على اليابسة يختلف عن النزال في البحار، مما يعطي دلالة على إمكانية تطويع جميع الأماكن، دون النظر لمواقع الحروب، فالشهيد أسلم التركي، لم يكتف باستخدام مفردة ”البحر“، وإنما أردفها بكلمات ذات وقع قوي على الطرف الآخر، حيث استعار ”الطعن“ و”الضرب“، للدلالة على المصير الذي ينتظر العدو، في ساحة القتال، فالشطر الأول يحتوي على كلمة تعكس الطاقة الكبيرة داخله، بحيث تتحول إلى لهب يحرق مياه البحر فما بالك باليابسة، حيث يتحدث عن احتراق البحر من كثرة الطعن والضرب، وبالتالي فإن العدو لن يسلم من الضرب والطعن، في جميع الأحوال، فهو يقول ”البحر من طعني وضربي يصطلي“.

بينما ينتقل في الشطر الثاني من الأرجوزة، من احتراق البحر من كثرة الطعنات والضرب، إلى السماء التي امتلأت من كثرة السهام، فالشطر الثاني يحمل رسائل عديدة للجيش الأموي، تتمثل في وجود القدرة على ملأ الجو بالسهام، بحيث تسقط في أجساد الجيش الأموي، ومن ثم فإن النبال ستكون أحد الأسلحة القادرة، على إيصال الأعداء إلى جهنم، فالقتال لا يقتصر على استخدام الطعن والضرب في ساحة المعركة، وإنما يمتلك سلاحا لا يقل أهمية في الاستفادة من الجو، في إنزال العقاب في جيش عبيد الله بن زياد، من خلال استخدام السهام التي يمتلكها، وتلعب دورا كبيرا في زيادة عدد القتلى، في صفوف الجيش الأموي، فالشهيد أسلم التركي استخدام ”يمتلي“، للدلالة على وجود مخزون كبير من السهام، لتوجيهها إلى قلوب وأجساد الجيش المتحفز، لقتال سبط المصطفى ، حيث يقول ”والجو من سهمي ونبلي يمتلي“.

فيما يحمل الشطر الثالث من الأرجوزة، الكثير من الشجاعة، والقدرة على تطويع السيف في ساحة المعركة، جراء مختلف الفنون التي يمتلكها في القتال، والإمكانيات العديدة المكتسبة لمواجهة العدو، فالحسام الذي يمسكه باليمين لا يرتاح دون قطع الرؤوس، وبتر الأطراف، الأمر الذي يدلل على العزيمة والإرادة الصلبة على الإطاحة بالعدو، حيث يستخدم مفردة ”ينجلي“ للدلالة على القدرة على تطويع السيف، وكذلك اللمعان الذي يخطف الأبصار، نتيجة السرعة الكبيرة في الضرب، وعدم القدرة على المجاراة، في استخدام الحسام في المواجهة، فالشهيد أسلم التركي، حرص على إبراز مستوى شجاعته، وإتقان كافة فنون الحرب، سواء عبر تطويع السيف باليمين، أو إتقان الرماية بالسهام، فهو لا يتوانى في الدفاع عن المبادئ التي يحملها، من خلال الاستفادة من كافة الأسلحة في المعركة، للحيلولة دون الوصول إلى الإمام الحسين ، حيث يقول ”إذا حسامي في يميني ينجلي“.

ويختتم الشهيد أسلم التركي أرجوزته، بإيضاح حقيقة المحركات الأساسية للجيش الأموي، فهذه الألوف الجرارة تحركها الضغائن والأحقاد، ولا تنطلق من مرتكزات أخلاقية أو قيم إنسانية، فقد اجتمعت على هدف واحد، وهو الوقوف في وجه سبط المصطفى ، والرغبة في ارتكاب جريمة كبرى، لم تشهد الإنسانية مثيلاً لها على الإطلاق، وبالتالي فإنه غير نادم على شق تلك القلوب الحاسدة، أو إظهار الرحمة والشفقة على العدو مطلقا، نظرا لانعدام القيم الأخلاقية والمبادئ الإسلامية، والافتقار للأعراف العربية، حيث يستخدم مفردة ”المبجل“، للدلالة على عدم الاعتراف بالمقامات، والمراكز الرفيعة لدى بعض قادة الجيش الأموي، فهذه الشخصيات لا تستحق سوى الموت، وشق القلوب بواسطة السهام والسيوف، وبالتالي فإن الشهيد أسلم التركي، لا يجد صعوبة كبيرة في التنكيل بتلك الشخصيات الحاقدة، نظرا للشجاعة الكبيرة التي يمتلكها في ساحة القتال، وكذلك الإقدام على منازلة الجميع، دون التفريق بين صاحب مكانة اجتماعية في قومه، أو شخص وضيع يفتقر للمكانة الرفيعة، فالجميع أصبح في منزلة وضيعة، بعد تحشيد الألوف المحتشدة، لمحاربة الإمام الحسين في ساحة كربلاء، حيث يقول ”ينشق قلب الحاسد المبجّل“.

وتنقل كتب السيرة أن الشهيد أسلم التركي بمجرد انحدار إلى ساحة القتال ارتجز قائلا:

البحر من طعني وضربي يصطلي
والجو من سهمي ونبلي يمتلي
إذا حسامي في يميني ينجلي
ينشق قلب الحاسد المبجّل

كاتب صحفي