حاجة المنشآت متناهية الصغر والصغيرة لاهتمامٍ مُنفَردّ «4»
كما سبقت الإشارة فإن الصعوبات التي تواجهها منشآت القطاع الخاص عموماً، ومتناهية الصِغَرّ والصغيرة على وجه الخصوص، لا يمكن اختزالها في سبب واحد هو الرسوم والغرامات، فهناك قائمة طويلة من الأسباب المؤثرة على أداء منشآت القطاع الخاص، تجعله يعاني من وهنٍ عام، مما يجعل قدرة منشآته محدودة لمواجهة وامتصاص التغييرات في السوق بما في ذلك التغييرات التنظيمية أو التغييرات في الرسوم والغرامات.
وكما سبقت الإشارة كذلك فإن التحدي للقضاء على العديد من تلك الصعوبات هو خروج تلك المنشآت من الاعتماد على الريع إلى الحرص على الارتقاء بالإنتاجية والتحسين المستمر للمخرجات عبر البحث والتطوير والابتكار، وهذا لن يأتي إلا من عقلية شغوفة، وقطعاً لن تأتي به عقلية ريعية.
وطلباً للتحديد، نجد أنه وعلى الرغم من العدد الهائل من المنشآت متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة إلا أن هناك بونٌ شاسع بين انتاجيتها وانتاجية المنشآت الكبرى، فالفائض التشغيلي «الفارق بين الإيرادات التشغيلية ونفقات التشغيل» لها نحو 23 بالمائة للعام 2021، وهذه النسبة محتسبة من بياناتٍ رسمية، فيما 77 بالمائة هي نصيب المنشآت الكبيرة. وعند المقارنة يتضح انخفاض إنتاجية المنشآت الصغيرة والمتوسطة لدينا؛ ففي حين أن معدل الفائض التشغيلي لدينا هو 23 بالمائة، كما ذكر أنفاً، نجده في الولايات المتحدة نحو ثلاثة أضعاف «61 بالمائة»، وأكثر من الضعف في الاتحاد الأوربي «55 بالمائة»، وأكثر من الضعف للمملكة المتحدة «58 بالمائة»، وفي تركيا 55 بالمائة، وفي اليابان 57 بالمائة، وفي كوريا الجنوبية 55 بالمائة. وأخذاً بهذه المقارنات، نجد أن على قطاع المنشآت الصغيرة والمتوسطة أن يرفع انتاجيته 250-300 بالمائة ليكون بمحاذاة أداء دول مجموعة العشرين.
هذه القفزة في الإنتاجية لن تحدث إلا من خلال تغيير مُزعزع «disruptive»، يحدثه برنامج“تحوليّ”محوره تحسين إنتاجية المنشآت متناهية الصغر والصغيرة على وجه الخصوص، فهي القاعدة التي يقوم عليها أي اقتصاد انتاجي، ففي حال النجاح في تحسين إنتاجية تلك المنشآت فسيحدث ذلك طفرة في قيمة ما ينتجه الاقتصاد السعودي من سلع وخدمات، وفي جودة ذلك الإنتاج، ومن ثمة القدرة على زيادة فائض الصادرات غير النفطية، وزيادة مساهمة القطاع الخاص في الناتج المحلي الإجمالي، وفي رفع مساهمة المحتوى المحلي. لن يكون ذلك سهلاً، لكن ما برح تحسين الإنتاجية أحد التحديات الرئيسة أمام الاقتصاد السعودي، ولعل مفتاح التغلب على ذلك التحدي يكمن في إطلاق برنامج تحولي لتحسين الإنتاجية في المنشآت المجهرية والصغيرة والمتوسطة. و
ليس هدف البرنامج التحولي لتحسين الإنتاجية في المنشآت المجهرية والصغيرة والمتوسطة إنقاذ مَنّ لا يمكن انفاذه من المنشآت القائمة على الريع، بل هدفه انقاد مَنّ يمكن إنقاذه عبر تحسين انتاجيته. ومن المهم إدراك أن إطلاق البرنامج التحولي ليس حرجاً فقط تقوية القطاع الخاص، بل كذلك للردم فجوة الإنتاجية الكبيرة بين اقتصادنا المحلي والاقتصادات المنافسة، بما في ذلك اقتصادات مجموعة العشرين، وبما يتمخض عن تحسين القدرة التنافسية للاقتصاد السعودي لاستقطاب الاستثمارات والمواهب والمهارات ولتقوية تموضع قطاعنا الخاص وجهد تنويع الاقتصاد إجمالاً.