آخر تحديث: 27 / 12 / 2024م - 8:30 م

الشك أو التسليم؟ ‎

علي العبد العال *

ما الذي يدفع الإنسان للدفاع عن اعتقاد مبني على التلقين؟

قلما تجد من يشكك في اعتقاد بيئته، ليس لتخطأتهم، بل لمعرفة صحة أو بطلان الاعتقاد. يغيب مفهوم الشك، لأنه يزعزع اطمئنان الفرد، أي يضعه أمام تساؤلات عديدة، لربما لا يجد لها إجابة. تخلق هذه التساؤلات نوعًا من التشكيك في المعارف التي ألفها وحينها قد يجد نفسه متخليًا عنها. في الغالب يخشى الفرد أن يزعزع اطمئنانه، بل يعده نوعًا من التشكيك في المسلمات والثوابت، التي قد تجد العديد يختلف حولها، لكنه يخشى أن يفقدها؛ لأنه اكتسبها من البيئة التي نشأ فيها وترعرع. ولسان حاله كيف بإمكاني أن أتخلى عن المعارف التي تلقيتها منذ الصبا، أليس هذا نوعًا من التمرد؟

في الغالب يميلُ الإنسان إلى التسليم، أي أن لا يساءل ويشكك فيما تلقى من معارف وأفكار. بل قد يحاول إلغاء مثل هذه المحاولات التي تبرز من تساؤلات وشك ونقد، لكي لا تبرز الآراء التي تختلف عن البارادايم الذي اعتاده. وهنا تبرز الخطورة عندما يريد الإنسان أن يلغي فكر الآخر، أي أن تظل الساحة الفكرية أُحادية لا يُشَكك فيها. ما المعنى من التسليم المطلق أو التقليد الأعمى، هل يُنتج أُناسًا تفكر أم مجرد مطيعين لما يُملأ عليهم؟

الكل يملك آراء، لكن هل الكل ابتكرها؟

لا يوجد من يعيشُ منعزلًا عن العالم لكي لا يستفيد من نتاج الآخر وفكره، أي لكلٌ منا ما يفيد بعضنا البعض. لكن آراءنا ليست بالضرورة حقائق، بل هي آراء، لا يوجد إنسان لا يملك آراء، لكن ليس كل من يملك آراء معناه امتلك الحقيقة.

يقول علي حرب في كتابه المصالح والمصائر صناعة الحياة المشتركة: ما نحتاج إليه هو التمرس بمحاسبة الذات، لممارسة التقى الفكري والتواضع الوجودي. ويقول عبد السلام بنعبد العالي في كتابه قراءات من أجل النسيان: في الحقيقة، إن الخطأ منسوج في الطبيعة، إنه من صميم الحياة. لذلك تمهل أيها الإنسان، فأنت لا يمكنك تفادي الأخطاء. فأنت من صنف البشر، لا يمكنك أن تتجرد من العاطفة حتى ولو ادّعيت العقلانية. لا تستطيع الهروب من المشاعر التي تجتاحك. قد تدافع عن فكرةً ليس لأنها صحيحة، بل لأن الكبر والتعصب يسيطر عليك.

اختر ما شئت من أفكار، لكن تذكر أن هذا العالم ليس لك وحدك. العالم مليء بالأفكار والعرقيات والأديان والثقافات، العالم ليس أُحاديًا لفئةٍ ما، بل هو للبشر أجمع. إن أردت أن الشك أو التسليم فهذا خيارك، لكن ليس ملزمًا على الآخر أن يوافقك.