آخر تحديث: 23 / 11 / 2024م - 4:07 م

لا تكُن طيّبا.. مع الخُبثاء

أشواق آل عبد الباقي

ما أجمل طيبة القلب والنّية الصافية الحسنة، والأجمل منهما أن تظلّ تحمل وتجود بالخير مهما واجهت من أذى بعض الناس، ومهما جارت عليك الأيام، ولكن لكل شيء في هذه الدنيا حدودا، وللطيبة أيضا حد، فالزّائدة منها تؤدّي إلى المشاكل إذا تعاملت بها مع كل الناس دون أن تُفرّق بين من يستحق ومن لا يستحق أن تتعامل معه برفق ورحمة ولين، ولسوف تدفع الثمن غاليا من ورائها، لأنك ستُعاني ولن يكون بمقدورك أن تتعافى بسهولة إذا آذاك من لا يخشى الله تعالى ذاك الّذي يفتقرُ إلى الطيبة وحُسن النّيّة والخُلُق.

فالحياة مليئة بصنوف البشر، فمنهم الإنسان الحسن والإنسان السّيء، المؤدّب وعديم الأدب، الخلوق وعديم الأخلاق، الصّادق والكاذب، والطيّب والخبيث وهذا أسوأ صنف من بين تلك الأصناف جميعها! ذلك أنّ من طبيعته الخُبث فقد اجتمعت كل المساوئ في شخصيته، فهو لن يكون خبيثا فحسب، بل مُجرما ومُنافقا وكاذبا ومُخادعا وماكرا وحقيرا وساخرا ولئيما، فالخبيث يظلّ خبيثا مهما قدّمت له ومهما ضحّيت لأجله ومهما قدّرته ومهما تعاملت معه بروح أخلاقية وباحترام وتهذيب، فلن تستطيع أن تُؤثّر فيه.

فأثناء تعامُلك مع النّاس واختلاطك بهم، ضع في ذهنك أن ليس الكلّ يستحق ثقتك وطيبتك وحُسن أخلاقك، وخذ حذرك من الخبثاء منهم، فالنفوس الخبيثة يسكُنها الشيطان وهي بالتالي شيطانية ولا يُمكن التّكهّن بمدى قدرتها على فعل الشرّ وإحداث الضّرر أو مدى خطورتها عليك وعلى أمثالك، فهذا الصنف من البشر سيئ لدرجة لن تتصوّرها، فعليك أن تتعلّم أن تضع الأمور في نصابها وتُحسن إلى من يستحق طيبة قلبك، فهؤلاء فئة مروّعة، يسعون سعيا حثيثا إلى خراب البيوت الآمنة المُستقرّة، والتفريق بين الأهل والأحباب والخلاّن وقطع صلات الأرحام والقضاء على الخير، وإيقاد نار الفتنة وإثارة المشكلات بدعوى أنهم لا يبتغون من وراء ذلك سوى الخير والإصلاح! والإنسان الخبيث من جماعة أهل الغيبة والنّميمة والإيقاع بين المُتحابين، كما يمتلك قدرة هائلة على تمثيل دور الضحيّة، وهو إنسان متكبّر ومغرور ويظن دوما بأن الحق معه!

إنّ الطيبة الزّائدة والّتي تفوق الحد ليست ميزة - من وجهة نظري - على الإطلاق، فهي قد تصل بك إلى حدّ السّذاجة، والسّذاجة لا تُجدي نفعا ولا تُحقق مطلبا خصوصا وأنّنا نعيش وسط مجتمع لا يرحم وبه العديد من أصناف البشر ومنهم الصنف الخطير «الخبيث» هذا، وهذا الصّنف لا تنفع معه الطيبة الزّائدة لأنّه يجرح وجرحه لا يندمل بسهولة مطلقا، هذا الصنف يظن أنّه من الممكن أن يأخذ منك ما يريد بالخديعة وبالمكر، ويُوهمك بأنك لا تفقه شيئا بينما هو الأذكى والأوسع أفقا والأكثر فهما، وإذا عاملته بطيب وكرم يفوقان الحد المسموح به، فهذا الأمر حتما سيُشجّعه على أن يتمادى في خبثه أكثر فأكثر، مما سيُؤدّي به إلى أن يتجرّأ عليك ويُؤذيك أكثر، وثق بأنّ قدرك وقيمتك لديه لا تتعدّى كونك الأكثر غباء في هذا الكون، بينما هو الأكثر فطنة منك بالطبع! وأنه المُنتصر دائما.

إنّ للخُبث أشكالا، ومن أشكاله الخبيث المُخبّث كإبليس اللّعين «شرّه مستطير»، يظلّ يُوسوس... ويُوسوس في صدرك ليُزيّن لك فعل الشرّ حتى يُوقعك فيه ثم يتبرّأ منك ومن عملك وكأنّه لا يعرفك، أو وكأنّ لا شيء كان بينكما! ثم يبدأ بالسّخرية منك بعدها كلّما صادفته، وهنالك نوع آخر وهو الّذي يُشوّه سمعة غيره كي يُجمّل من صورته أمام الآخرين! على كلّ، إذا جالست شخصا خبيثا فسوف تُلاحظ بأنّه سيسعى جاهدا لأن يتقمّص دور الإنسان الخيّر والمُسالم والمُطيع كالحمل الوديع، لكي يُقنعك بالفعل أنه كذلك لماذا؟ لكي ترتاح إليه فتحسبه أنت طيّبا وعلى نيّاته، فتخبره بكلّ ما يجول في صدرك بما في ذلك أسرارك ومشاكلك وكل ما يُزعجك، إنّ هذه الفئة قادرة على التمثيل وببراعة ولديهم طريقة تُقنع كل من يتعامل معهم بأنّهم من أهل الاستقامة والصلاح وبأنّهم المُحقّون بكل ما يفعلون!

ولا تندهش إن بدا عليه الهدوء وبرودة الأعصاب فهذه طبيعته، فهو حريص على ألاّ يفضح نفسه ولن يسمح للطرف الآخر أن يشُك به ولو للحظة طالما أنّ بمقدوره أن يتصرّف بحذر ويشتغل من «تحت الطاولة أو خلف السّتار وفي الظلام» كما يُقال، هو يُمثّل عليك أنه يريد لك الخير، ولكنه في الواقع لا يتمنى لك سوى الشر! إنّ الخبيث شخص يتجنّب المواجهة مع شخص آذاه، فلا يعتمد معه مبدأ المُصارحة والّصدق، وإنّما يُحاول الانتقام منه - مُتواريا عن الأنظار - وبشتّى الوسائل! إذ إنّ بمقدوره التلوّن والتّخفّي كالحرباء حين تغيّر لونها، وكالأفعى حين تُبدّل جلدها وكالذئب في مكره وهدوءه وكالّليث في مُراقبته للفريسة، وعلى الرّغم أنه يُشبه كل هؤلاء وبالنظر إلى اختلافه بامتلاكه العقل والقدرة على التفكير به والرّغبة في الإيذاء الشديد وحياكة المؤامرات والخُطط والتّخطيط لها وغير ذلك، فإنه يعتبر الأشرس من بينها والأكثر شرّا وخطورة.

ثمّة شيء آخر وهو أنّ رأي الناس والمجتمع بالنسبة إلى هذا النوع من البشر أمر يهمّه كثيرا، ولهذا فهو سيُحاول جاهدا كي يُخفي حقيقته حتّى يظهر بمظهر إنسانيّ مُحترم أمامهما.

فهو يرتدي العديد من الأقنعة في وقت واحد «إنسان مُتقلّب»، فقد تخاله طيّبا وهادئا تارة، وتارة يثرثر مُنتقدا يشتكي من هذا وذاك وهكذا... وكلما أحسّ أنّ الطرف الآخر طيبا إلى حد السّذاجة، تجرّد قلبه من الرحمة معه كما يتجرّد هو من ملابسه إذا خلا بنفسه، وحين تُنزع الرحمة من قلب أي إنسان فلن يعود إنسانا بل وحشا ضاريا، يستخدم كل أسلحته ضد هدفه، فهذا الصنف لا يرحم وتدميره أعنف وأشدّ، فهو سيدّعي أمامك بأنه لا يريد إلا مصلحتك فيما يقوله ويقوم به، ولكنّ الحقيقة هي أن مصلحته هي كل ما يريد، وهي أهمّ من أي شيء آخر.

إنّ الخبيث مُنافق من الطّراز الأول، مُتملق وكاره للطيبة وللطيّبين ولأصحاب النوايا الحسنة لأنه على العكس من ذلك تماما، وتأكّد بأنّ كل السّيئات الّتي يرتكبُها الناس من كذب ونفاق وبُخل وظلم وحقد وطمع وارتكاب الجرائم والنميمة والغيبة والأنانية والسّخرية.... مصدرها نفوس خبيثة ومن المُستحيل أن تصدر من نفوس طّيبة، الخبيث شخص يلعب بأعصابك كاللعب بالكُرة، فهو شخص يتغذّى نفسيا على الأشخاص الطيبين السّذّج، فكل ما يخطر على بالك من صفات شخصية مُشينة سوف تلقاها عند الشخص الخبيث، فهو لن يتوانى عن عمل أي شيء تستنكره أنت لأجل مصلحته فقط.

فإن كنت تسعى لأن تعيش سعيدا وبسلام فتجنّب أهل الخبث والنفاق، وابحث عمّن يُشبهك في طيبة القلب وفي صفاء النية «إن كنت من هذا النوع»، ابحث عن أولئك الطيّبين المُسالمين الصّادقين، الّذين يتصرّفون بعفوية بلا تكلّف، أولئك الذين يحملون بالفعل قلبا من ذهب وبوزن الذهب، الذين قلّ وجودهم وندُر في وقتنا ومجتمعنا الحاضر، الّذين يقولون بأفواههم ما تضمُره قلوبهم بالفعل حيث ينعكس ذلك على سلوكهم وتصرّفهم معك، لا مثل أولئك الذين يُظهرون لك الودّ ويضمرون العداء والحقد! ولا يُجيدون إلاّ العيش بوجوه عديدة ويرتدون العديد من الأقنعة! وإن أجبرتك ظروفك على أن تتعامل مع شخص خبيث أو أشخاص خبثاء فقوّي قلبك واستعمل معهم نفس الأسلوب الخبيث وكن أخبث منهم إن استطعت ذلك، ولو كنت كارها أو مُجبرا على ذلك، ولا تعطهم الفرصة في الحصول على مبتغاهم منك، وكن أي شيء معهم، ولكن إيّاك أن تكون طيّبا وأنت برفقتهم، وستعيش لحظات من السعادة قلّ نظيرها فقط إن أدرت ظهرك لهم وابتعدت عنهم مهما أغروك وتودّدوا إليك تملّقا ونفاقا.